تاريخيًّا
إحدى أقدم الديانات الحيّة في العالم، لا مؤسّس واحد لها، ولا نبيّ واحد، ولا كتاب، أو تعاليم واحدة، بل عدّة كتب وعدّة مدارس تعبّر عن أسلوب حياة. فالهندوس يسمّون ديانتهم “الدهارما” أيّ (قانون العالم). أما مصطلح “هندوس” الفارسيّ فقد ظهر بعد أن أطلقه المسلمون على سكّان ما وراء نهر السند في القرن 8 م، ثم أطلقه البريطانيّون على الديانة في القرن 19م. والهندوسيّة مزيج بين ديانة قديمة نشأت على ضفاف نهر السند تتميّز بعبادة للأجداد والآلهة التي ترمز للطبيعة والحيوانات، وديانة غزاة آرييّن نزحوا من الشمال إلى الهند نحو 1700 ق.م، وأتوا بآلهتهم ونظامهم الطبقيّ ولغتهم السنسكريتيّة. وأخذت الديانة أشكال عدّة خلال ثلاث مراحل تاريخيّة، وشهدت تغيرات وتبلورات في العقائد والآلهة، إلّا أن الأساس في الهندوسيّة الإيمان بإله أصل لكلّ شيء وهو (البراهمان)، الذي لا تقدّم له القرابين ولا الطقوس، إذ أن البراهمان يمثل النَفَس الأول للوجود، وثلاث آلهة أساسيّة: “براهما” وهو (غير البراهمان و المسؤول عن الخليقة)، و”ﺷﻴﭭﺎ المدمّر” و”ﭬﻴﺸﻨﻮ الحافظ والمعمّر” الذين يحافظون على توازن العالم، إضافة إلى “الشاكتي” أو الإلهة التي تسمّى بتسميات عدّة. كما يؤمن جميع الهندوس بالتقمّص والكارما والبحث عن الخلاص من دائرة التقمّص “السامسارا”، ويؤمنون بطول الزمن وتقسيمه إلى أطوار.
الجغرافيا/ الديموغرافيا
ثالث أكبر ديانة في العالم من ناحية عدد معتنقيها بعد المسيحيّة والإسلام. هي ديانة الأغلبيّة في الهند والنيبال. يزيد تعداد مؤمنيها عن 900 مليون ، يعيش 96% منهم في شبه القارة الهنديّة، ويتواجد أتباعها على امتداد الكرة الأرضيّة (559 ألفًا في بريطانيا).
الفرق
الهندوسيّة سلسلة من المذاهب المختلفة التي تسمح كتبها المقدّسة العديدة بنظام إيمانٍ متنوّع. فلا تملك الهندوسيّة عقيدة واحدة، ولا ممارسات واحدة، ولا تعترف بحقيقة نهائيّة واحدة، بل ثلاث سبل للخلاص يقدّمها الفضاء الهندوسيّ:

  • الخلاص بالأعمال أيّ (العبادات)، ويسمّى "كريايوغا": وهذا السبيل مبنيّ على الطقوس المنتظمة يقوم بها المؤمن في بيته وفي المعابد.
  • الخلاص بالمعرفة أو "الجنانايوغا": هو مبنيّ على مدارس فلسفيّة ستة، أهمها "مدرسة السامخيا" التي تقول بأن الخلاص يأتي عندما نعرف ما هو الماديّ "اﻟﭙﺮاكريتي" فنخلّص الروحي "اﻟﭙﻮروشا" عنه، وبالتالي نخرج من دائرة التقمّص "السامسارا"، و"مدرسة الفدانتا" التي تقول بـ"الأدﭬﺎيتا"، أيّ (اللا ثنائيّة)، وفلسفتها الوحدة بين الروح الإنسانيّة "أتمان" والروح الإلهيّة "براهمان"، إذ أن التيقّن من هذه الوحدة والوحدة مع الوجود يؤدّي إلى الانعتاق من دائرة السامسارا.
  • "الباكتي يوغا" أي الإخلاص لإله من بين الآلهة الكبرى يعتبر ممثّلًا الألوهة الكاملة "إﻳﺸﭭﺎرا". ويقسّم أتباع الباكتي يوغا إلى ثلاث:
    • أتباع ﭬﻴﺸﻨﻮ:حامي العالم، الحافظ للدهارما، الذي تجسّد عبر التاريخ تسع مرّات عبر ما يسمى "أﭬﺎتار" أي (تجسّد الإله)، أهمّها على شكل "كريشنا" و"راما". وتجسّد عاشرٌ منتظر في آخر الدورة الحاليّة للزمان.
    • أتباع ﺷﻴﭭﺎ: المدمّر لكلّ سوء ولكلّ جهل، وهو إله النساك اليوغييّن .
    • أتباع شاكتي: الإلهة دﻳﭭﻲ (وهي مؤنث ديڤ أي إله)، وهي المبدأ الأنثويّ للكون بحسب "التانتريّة"، والذي يتمثّل بالإلهة الأمّ "دورڠا" أو "ﭘﺎرﭬﺎتي" زوجة ﺷﻴﭭﺎ، أو بغيرها من الآلهة الإناث.

الكتب المقدّسة: للهندوسيّة العديد من الكتب المقدّسة، التي يعتبرونها وحيٌ أُنزِل على الحكماء منذ آلاف السنين. إنتقل هذا التراث الدينيّ عبر الأجيال، ومن أهمّ نصوصه:
  • كتب اﻟﭭﻴﺪا: وتعني (كتب المعرفة)، التي تضمّ عددًا من الكتب ذات البعد الروحيّ والعقائديّ والطقوسيّ. تنتهي اﻟﭭﻴﺪا بنصوص "الأوﭘﺎنيشاد" ذات الطابع الفلسفيّ الصوفي.
  • كتب السوترا: التي تعتبر مُنزّلة من آلهة محدّدة والتي تضم الملحمة الشعريّة "المهابهاراتا"، وضمنها فصلٌ يُعدّ النصّ الأكثر شهرة وهو "البهاڠاﭬﺎد ڠيتا" أيّ (أنشودة الرب المقّدسة)، و"البراهما سوترا" أيّ (الفلسفة اﻟﭭﻴﺪيّة)، و"اليوغا سوترا" أيّ (الفلسفة والقواعد اليوغيّة)، ويحوي كذلك النصوص الأحدث الـمُسماة "اﻟﭙﻮرانا" وهي (القصص القديمة)، و"الدهارما شاسترا" أيّ (مجموعات القوانين).
  • كتب التانترا: التي تعود إلى الآلهة "ﭬﻴﺸﻨﻮ وﺷﻴﭭﺎ ودورڠا"
الأماكن المقدّسة
المعبد: يتكوّن من معبد واحد أو عدّة معابد مشهورة بأبراجها العالية أو الهرميّة، وبالزخرفات الدقيقة من الداخل والخارج. يُكرّس المعبد لإله واحدٍ من الآلهة الثلاثة الأهمّ "ﭬﻴﺸﻨﻮ وﺷﻴﭭﺎ والإلهة دﻳﭭﻲ"، ويحوي المعبد الرئيس تمثالًا له. تتمّ فيه طقوس الاغتسال في ماء النهر او البركة المجاورة، وتقديم القرابين، والتعبّد تقربًا من الألهة. وتضمّ هذه المعابد اليوم مراكز للأنشطة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والدينيّة.

العقائد المقدّسة: تتلاقى المدارس الهندوسيّة على أسس مشتركة: إحترام اﻟﭭﻴﺪا، التعددّية في مقاربة الألوهيّة، دورة الخلق، التناسخ كنتيجة لأفعال الإنسان "الكارما"، والنظام الطبقيّ في المجتمع.

ويتحقّق الخلاص للروح "موشكا" من دائرة السامسارا بعدّة طرق: بالأفعال المتجرّدة عن الأهواء، بالتحكّم بالجسد، بحكمة النظم الفلسفيّة، والتفاني والإخلاص "باكتى" عبر التماهي مع "الڠورو" أيّ (المعلّم) ومع الإله.
الطقوس والشعائر
"ﭘﻮجا" أيّ (الصلاة أو العبادة):يؤدّي معظم الهندوس عبادتهم مرتين في النهار، لصورة الإله الذي يختارونه، بالأناشيد (المقاطع الصوتيّة المقدّسة) التي تُسمّى "المانترا"، وتقديم الزهور والبخور في الصباح عند طلوع الفجر وفي المساء وقت الغروب. وتعتبر العبادة في المقام الأول فردانيّة تأمّليّة أكثر منها جماعيّة، سواء أكانت في البيت أم في المعبد أو في الطبيعة.

الزواج: تّتم الطقوس بربط اليد اليمنى للعروسين رمزيًّا بقطن مغطّى بمسحوق الكركم الأصفر، ويُرشّ الزوجان بالماء، ويدوران حول نار مقدّسة موقدة في الوسط سبع دورات. وفي كلّ دورة يقسم الواحد للآخر بالإخلاص والخدمة والتضحية والحبّ حتى الموت.

الموت: تُحرق الأجساد بعد الموت إذ لا قيمة لها في المعتقد الهندوسيّ، وذلك بسبب فلسفة تناسخ الأرواح. فالروح تحتاج الى التحرّر من الجسد بأسرع طريقة ممكنة لكي تتقمّص في جسد آخر. يُؤخذ الرماد بعد الحرق الى النهر المقدّس ليُلقى فيه، ثم تقرأ مقاطع من اﻟﭭﻴﺪا المقدّسة مع ترانيم روحيّة. وتلقى باقات من الزهور مع الشموع التي توضع في النهر.

الحجّ: رحلة يقطعها الهندوسيّ طوعًا للأغتسال في نهر "الغانج" المقدّس للتطهّر من خطاياه، أو لزيارة المدن التقليديّة

المقدّسة: ﭬﺎراناسي، وكاشي، وكيدارناث، وبيدريناث في الهمالايا، ومدينة الله آباد، ومدينة راميشوارام في الجنوب.

الصوم: يُمارس الهندوس أنواع من الصوم التقشفيّ مثل الامتناع عن الأكل والشرب لأيام عدّة، أو رياضة الصمت لمدّة طويلة، أو الإمتناع عن الجنس برضى الطرفين.

اليوغا:من أهمّ الطقوس الهندوسيّة كرياضة روحيّة تُسهّل الإتحاد بالـ "براهمان" والوصول إلى "النيرﭬﺎنا". تقوم على الصمت والتركيز على شيء معيّن من دون التشتّت في التفكير بالأمور الماديّة والدنيويّة والجسديّة العديدة.
التقاليد والخصوصيات الثقافية
غالبيّة الهندوس نباتيّون، وخاصة "البراهمين"،يمتنعون عن أكل لحم الأبقار. باستثناء مناطق شمال-شرق الهند. النظام الطبقيّ حيث يولد الفرد في طبقة، ولا يحقّ له تغييرها، ولا الزواج من خارجها، ولا العمل في ميدان خارج ميدان الطبقة. وهناك أربع طبقات مقسومة إلى طبقات داخلها. كما هناك الذين لا طبقة لهم :
  • البراهمين: طبقة رجال الدين وهم أصحاب السلطة الدينية.
  • الكشاتريا: طبقة الأمراء والمحاربين وهم بالأساس أصحاب السلطة السياسيّة.
  • اﻟﭭﺎيشيا: طبقة المزارعين والتجار وأصحاب الحِرَف ويمثّلون السلطة الاقتصادية.
  • الشودرا: وهم خدّام الطبقات الثلاث، ويمثلون 50% من الشعب.
  • الداليت: أي "المنبوذين" وهم خارج النظام الطبقي ويمنع للطبقات الأخرى الاحتكاك بهم وهم يمثلون حوالي 25% من الشعب.

ويحقّ لطبقتيّ البراهمين والكشاتريا فقط تقديم الأضاحي في المعبد. وقد تغيرت التقاليد هذه إلى حدّ ما حاليّا مع زيادة الاختلاط بين الطبقات بفضل الحياة المدنيّة وتواصل الناس في أماكن العمل.

تاريخيًّا، كانت الطريقة الوحيدة للخروج من النظام الطبقي هي بالتخلي عن الحياة الاجتماعيّة، والانقطاع للعبادة والسكن خارج المدن في الفلاة، ومن يتبع هذا المسار يسمّى "السادهو".

الرمز المقدّس: "أوم" هي العبارة الأولى المقدّسة في أيّة صلاة هندوسيّة، وبها بدأ الكون. وترمز للأرض والهواء والسماء أي (للكون).
جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive