تاريخيًّا: إحدى أقدم الديانات التوحيديّة في العالم، والدين الرسميّ لبلاد فارس قبل الإسلام. قد تعود في التاريخ إلى نحو ثلاثة آلاف سنة إلا أنه من الصعب تحديد تاريخ بدايتها بشكل جازم . تُنسب إلى مؤسّسها النبيّ “زرادشت” الذي نادى بالإله “أهورامزدا”، إلهًا للنور والسماء ومعناه (انا خالق الوجود). ولا تحديد تأريخيّ دقيق لتاريخ ومكان ولادته، التي قد تعود إلى الفترة ما بين القرنين 6-11ق.م. تروي النصوص الدينيّة قصة مغادرة زرادشت لعائلته في العشرين من العمر، وتنسّكه وحيدًا، وعودته إلى عائلته بعد عشر سنوات، إثر نزول الوحي عليه. وتذكر ما واجهه من رفضٍ ومشقّات إلى أن تلقّى دعم أمير خرسان “گشتاسپ” بعد أن آمنَ برسالتِه، ومساندته لنشر دعوته بين الناس.
الجغرافيا/ الديموغرافيا: هي اليوم واحدة من أصغر الديانات في العالم، لا يتعدّى عدد أتباعها 190 الف شخص في العالم، يعيش حوالي 25 ألفًا منهم في إيران في مدينة يزد الصحراويّة وشيراز والعاصمة طهران، والأغلبية الباقية في الهند من “البارسييّن الهنود” هم في تناقصٍ مستمرٍ ولا يتعدّى تعدادهم 61 ألفًا (تعداد 2013 م) ، بينما يتوزّع الباقون في باكستان (1500 نسمة) وأذربيجان وأفغانستان والولايات المتّحدة الأميركيّة وبريطانيا وكردستان العراق وغيرها.
الفرق: انقسم الزرادشتيّون إلى فرقتين كان للعامل الجغرافيّ الدور الأكبر في ذلك :
- الزرادشتيّون: الذين يطلق عليهم الإسلام تسمية (المجوس)، الموجودون في إيران منذ ثلاثة آلاف عام.
- البارسيّون الزرداشتيّون: هم "الفارسيّون" الذين هربوا من إيران إلى (غوجارت) في الهند في القرن الثامن ميلاديّ، بعد الفتح الاسلاميّ لبلاد فارس. نجحوا في الهند في المحافظة على جماعتهم الدينية وعلى طقوسهم وعلى خصوصيّتهم وفي إنشاء إمبراطوريّة اقتصاديّة متراميّة، ساهمت ماديًّا وعلى امتداد الزمن في دعم استمراريّة الوجود الزرادشتيّ في إيران.
الكتب المقدّسة:"أﭬﻳﺴﺘﺎ" هو الكتاب المقدّس عند الزرادشتييّن الذين أعادوا تدوين نصوصه في القرن التاسع الميلاديّ، بعد أن ظلّ تداوله شفاهة منذ أن أحرق الاسكندر المقدونيّ كلّ مخطوطاتهم الدينيّة، إثر انتصاره على الفرس عام330 ق.م. يحتوي على نصوص شعريّة وصلوات وقوانين وتشريعات وطقوس وأساطير وتقاليد قديمة. يُسمّى الجزء الأهمّ منه والأقدم الـ"غاتها"، وهي مجموعة من الأناشيد الموضوعة من قبل زرادشت نفسه لتمجيد الإله "أهورامزدا"، كُتبت باللغة الفارسيّة القديمة.
الأماكن المقدّسة:
معابد النار: هي الأماكن المقدّسة الزرادشتيّة التي تحوي داخلها النار المقدّسة المتّقدة دائمًا، التي تتوسّط المكان عادة ضمن موقد خاص لا يلمسه إلّا الكهنة. يزور المؤمنون المعبد يوميًّا للصلاة والتعبّد للشمس نهارًا والدوران حول للنار ليلًا. وانطلاقًا من ارتباط قدسيّة النار وطهارتها عندهم بأقدميّتها، تعتبر معابد إيران أقدس من تلك الموجودة في الهند، وأهمّها "معبد بيت النار" في يزد، لكون النار فيها متّقدة منذ أيام النبي زرادشت.
العقائد المقدسة:
- الإيمان بالإله الواحد "أهورامزدا" خالق الخير والنور، وخالق الشرّ والظلام الذي يعرف بـ"أهريمان". لهذا تُعرف هذه الديانة بالوحدانيّة – الثنائيّة، حيث ينقسم العالم معها إلى نور وظلام، وإلى خير وشرّ، وتخضع الحياة والنفس البشريّة لصراع دائم بينهما حتى نهاية العالم، وإلى أن ينتصر الخير على الشرّ، ويختفي الشّر من العالم.
- الإيمان بنبّوة زرادشت، بالروح، بالثواب والعقاب (الجنّة والنار والبرزخ)، بالمعاد والقيامة.
- الإيمان بوجود العناصر الأربعة (الماء والنار والهواء والتراب) التي تتحكّم في الوجود والتي تعدّ من أقدس الأشياء المخلوقة. وتجسّد النار المقدّسة القوة والطهارة، وهي مصدر للنور الإلهيّ والسمو الربانيّ.
- الإيمان بانتصار الخير على الشرّ في نهاية التاريخ مع "الساوشيانت".
- الإيمان بـ"الأميشا سبنتا": أيّ الخالدين الأبرار
- تقوم الزرادشتيّة على مبادئ ثلاثة قوامها: الإيمان بالفكر الصالح، والقول الصالح، والعمل الصالح.
الطقوس والشعائر:
- الصلاة: يصلّي الزرادشتيّون خمس مرّات في النهار: عند الفجر والظهيرة والعصر والمغرب ومنتصف الليل. يؤدّونها وقوفًا مُتّجهين نحو الشمس. ينحنون للشمس ثلاث مرات أثناء الشروق والغروب، ونحو النار ليلًا لكونها رمز لله. وتسبق كلّ صلاة عادة عمليّة الوضوء، والتي تتمّ بغسل الوجه واليدين والقدمين.
- النار: يقدّس الزرادشتيّون النار ولا يعبدوها، ووجودها ضرورة في كل صلاة. مهمّة الكاهن الرئيسة إبقاء النار في المعابد مشتعلة وطاهرة، دون أن تُمسّ حتى من أنفاسه.
- في اليوم السادس لعيد النوروز، يوم ميلاد زرادشت، يقرأ الكاهن نصوصًا من الأﭬﻳﺴﺘﺎ، ويرفع مع المؤمنين إصبعًا دلالةً على وحدانيّة الله، ومن ثم إصبعين دلالةً على الوحدانيّة- الثنائيّة.
- الدفن: توضع الجثث في الهواء الطلق تحت الشمس أو في أبراج عالية لتتحلّل وتأكلها الطيور كما في "ابراج الصمت" في (بومباي، الهند). لا يحرق الزرادشتيّون الجثث بالنار المقدّسة بعد الموت، لكونها نجسة بعد أن تركتها الروح. ولا تُرمى في الأنهار والبحيرات بسبب قدسيّة الماء، ولا تدفن في الأرض لقدّسية التراب، إذ لا يحسن بالأرض المقدّسة أن تحوي في بطنها الجثث الملوّثة. وتوضع العظام لاحقًا لتتحلل في فجوات ضمن "أبراج صمت".
- "الكوشتي": هو (الاحتفال الذي يلتزم خلاله الفتيان والفتيات بدينهم إثر بلوغهم سبع سنوات). خلال الاحتفال يرتدي الأطفال ثوبًا أبيضًا ويحملون الحبل المقدّس "الكوتشي"، المكوّن من اثنين وسبعين خيطًا كرمز لأسفار "الياسنا" الاثنين والسبعين، التي تضمّ أقدم النصوص الدينية وأقدسها، إضافة إلى كأس شراب "الهاوما". يتلو الكاهن صلاةً خاصّة يردّدها الفتيان والفتيات، ويربط الحبل المقدّس حول خصرهم، حيث يرمز حلّه وربطه أكثر من مرّة في اليوم، إلى الالتزام الدينيّ والأخلاقيّ لحامله.
التقاليد والخصوصيات الثقافية:
- تبجّل الزرادشتيّة الزواج والعائلة، وتحرّم الطلاق. ينتسب للزرادشتيّة المولود من أبوين زرادشتيّين فقط، ولا يحقّ الزواج من خارج الجماعة، رغم أن التقاليد الحالية لـ"البارسييّن الهنود" تسمح للرجل فقط الزواج من خارج الجماعة وتمنعه عن الفتاة الزرادشتيّة.
- تعظّم الزرادشتيّة الزراعة ورعي المواشي، وكان هذا العمل مقدّسًا على مرّ الزمن، لكونه السبب لقيام المجتمعات المستقرّة في بلاد فارس .
- يغسل المؤمنون أيديهم يوم "عيد النوروز" بماء الزهر المعطّر وينظرون في المرآة لكونها تعكس النور والجانب الطاهر من الحياة.
- يلبس الزرادشتيّون عادة الألوان الزاهية ويبتعدون عن القاتمة منها. ويفضّلون اللون الأبيض إذ يرمز للنقاء ويلبسوه رجالًا ونساءً وكهنةً في مناسباتهم الدينيّة الأهم "الكوشتي، الأعياد".
الرمز المقدّس: "فرﭬﺎشي"يتمثّل بأسطوانة مزيّنة بذيل عصفور تعلوها صورة زرادشت. يعبّر هذا الرمز عن "فرﭬﺎشي" الروح الحامية، التي تضع كلّ إنسان تحت رعايتها، ويرمز للخير أو للجوهر الإلهي داخل الإنسان. هو مغيث للسائل، والمناضل لتحقيق الخير العام. يرمز أيضا لروح "أهورامزدا".
قيم ومواقف روحية:
"تتحقَّقُ السعادة لذلك الذي يسعى إلى تحقيق سعادة الآخَرين." زرادشت
"فعل الخير للآخرين ليس واجبًا، بل متعة" زرادشت