تاريخيًّا
المؤسّس هو الأمير سيدهارتا ڠوتاما (564-485 ق.م) أو “الشاكياموني” أيّ (المتزهّد من شعب الشاكيا). ولد في شماليّ الهند على حدود النيبال. تخلّى في 29 من عمره عن حياة الرغد في قصر والده. ترك عائلته ورحل ليعيش متنسّكًا متجوّلًا في الطبيعة، حيث انعزل متأمّلًا تحت شجرة ليصل إلى “النيرﭬﺎنا”، فتحوّل إلى “البوذا” وتعني (المتنوّر). وقرّر بعد صراع داخليّ أن يكون بوذا لنفسه وبوذا للآخرين. بدأ دعوته بين الناس كمعلّم ينقلُ رسالة الخلاص إلى كلّ إنسان. تبعه في البداية خمسة نسّاك إهتدوا بعد حوارات معه تُعرف بـ”الموعظة في حديقة الأيائل” في بينارِس، وأسّسوا الرهبنة البوذيّة الأولى “السانڠا”، وتبعهم ستّون من طبقة الأشراف. إزداد عدد أتباع بوذا بسرعة، من ضمنهم كثيرون من الطبقات الدنيا ومن طبقة “البراهمة”، ومن النساء والرجال، فانحلّت الطبقيّة في تلك الجماعة. بعد إنقضاء 45 عامًا على عمل بوذا التبشيريّ، مات في شبه عزلة نحو العام 485ق.م، وهو يناهز الثمانين.
الجغرافيا/ الديموغرافيا
هناك 376 مليون شخص يتّبعون التقليد البوذيّ في العالم، وإنطلاقًا من الهند توزّعت البوذيّة على عدة مناطق جغرافيّة في العالم.
الفرق
عبر الزمن ظهرت في البوذيّة ثلاثة تيّارات رئيسة:
  • بوذيّة ثيراﭬﺎدا: "البوذيّة القديمة" التي تخصّ بالخلاص قلّة من الرهبان. هي تيار منظّم يضمّ "السانڠا" المؤلّف من رهبان وراهبات. يشكّلون 38%، ويتوزّعون في جنوب شرق آسيا: سيرلانكا، تايلاند، ميانمار، كامبوديا، لاوس، بنغلادش.
  • بوذيّة ماهايانا: ظهرت في القرن الأوّل بعد الميلاد وتعني (المركبة الكبيرة). إستقطبت الكثير من الأتباع 65%، يتوزعون في الصين، كوريا، تايوان، فيتنام، اليابان، والهمالايا.منها انبثقت: بوذيّة الزن: مزيج من البوذيّة والطاويّة، أسّسها بوديدهارما (470-543م) في الصين، سُمّيت "شان". تحوّلت في اليابان إلى "زن".
    الأرض الطاهرة: مدرسة تركز على بوذا "أميثابا" أيّ (النور اللامتناهيّ)، "صاحب أرض السلام في الغرب"، نوع من فردوس يوصل إلى النيرﭬانا.
  • البوذيّة التانتريّة/ اﻟﭭاجرايانا: تُسمّى (مركبة الألماس). شكل متأخّر من البوذيّة دخل إلى التيبت في القرن 7م، مازجًا مظاهر وطقوسًا من "التانترا" الجاينيّة والهندوسيّة ومن "الشامانيّة" التيبتيّة وهو مزدهر في التيبت، وله أتباع حول العالم خاصة بعد عيش "الدالاي لاما" في المنفى منذ العام 1959م.
الكتب المقدّسة
عددها كبير، وتملك كلّ مدرسة نصوصها المفسّرة لكلمات بوذا، أهمّها "كتاب السلال الثلاث" الذي يحوي: القواعد النسكية، الأحاديث أو المواعظ، ملحق العقائد والقوانين.
الأماكن المقدّسة
اﻟﭙﺎغود: هي المعابد التي تُستخدم كأديرة لإيواء الرهبان واستقبال العلمانييّن والتبشير. تتميّز بطبقاتها العديدة، وباعتمادها على الشكل الهندسيّ الأساسيّ (مربّع، دائرة أو مثمّن). يوضع في داخلها تمثال بوذا، حيث تقدّم أمامه الأضاحي والقرابين والهدايا الثمينة.

الستوﭘﺎ: أبنية من الردميات على شكل تلّة نصف دائريّة مربّعة أو مخروطيّة او على شكل جرس، بُنيت كنصبٍ تكريمًا لذكرى موت بوذا "اﻟﭙﺎرانيرﭬﺎنا"، ودفنت داخلها ذخائر من بوذا أو لأحد لطلابه أو لبعضٍ من مقتنياته.
العقائد المقدّسة
نشأت البوذيّة في الفضاء الثقافيّ الهندوسي، واتّخذت في بداياتها شكل محاولة إصلاحيّة للهندوسيّة، لكنها ما لبثت أن انفصلت وأصبحت ديانة بحدّ ذاتها. أخذت البوذيّة من الهندوسيّة بعض المسلّمات ورفضت أخرى: فاختلفت عنها في موضوع الألوهة، إذ رفض بوذا الآلهة الهندوسية وشكّل ديانة دون آلهة، رافضًا النظام الطبقيّ الهندوسيّ. واحتفظ بالعقائد المتعلّقة بمفاهيم الزمن، والحياة، والتناسخ، و"الكارما"، والعودة ضمن دائرة "السمسارا" حياةً بعد حياة، وأهميّة محاولاة الخلاص والانعتاق من دائرة العودة التي تسمّى "النيرﭬﺎنا".

تقوم الديانة البوذيّة على معرفة "الحقائق المقدّسة الأربعة" وهي:
  • الدوخا: وتعني (المعاناة) فكلّ شيىء في الحياة هو معاناة.
  • سبب الدوخا: المعاناة تأتي من الرغبات.
  • إزالة الدوخا: حقيقة إمكانية وقف المعاناة، حيث يمكن أن ينهي الإنسان كلّ معاناة بالتخلّي عن كلّ ما يتعلّق به، والوصول إلى النيرﭬﺎنا.
  • الطريق لإزالة الدوخا: يتحقّق بلوغ النيرﭬﺎنا باتبّاع طريق الوسط أو الفضائل الثمانية.

طريق الوسط: تجمع ما بين الإعداد الأخلاقيّ لسلوك الطريق المؤدّي إلى الخلاص، والاستغراق في التأمّل لاكتساب الحكمة:
  • الرأي المستقيم (الصحيح): الاعتراف بالحقائق المقدّسة الأربعة .
  • العزم المستقيم (الصحيح): ممارسة التخلّي والتجرّد والرأفة والرحمة والرضى تجاه جميع الكائنات الحيّة.
  • القول المستقيم (الصحيح): قول الخير أو الصمت.
  • العمل المستقيم (الصحيح):عدم القيام بأي عمل يؤذي الآخرين.
  • العيش المستقيم (الصحيح): صحة اختيار العمل.
  • الجهد المستقيم (الصحيح): العمل على الذات وردود الفعل.
  • الانتباه المستقيم (الصحيح): مجاهدات جسديّة ونفسيّة وفكريّة وعاطفيّة.
  • التركيز المستقيم (الصحيح): التأمّل.

الوصايا الخمس الأساسيّة:لا تقتل، لاتسرق، لا تزنِ، لا تكذب، لا تتناول المخدر ولا السمّ. وصايا تلتزم بها الجماعة ككلّ. يلتزم الرهبان بخمسة وصايا إضافيّة: الفقر، والامتناع عن الزواج، والتزام السلام، التبشير بالتعليم البوذيّ والتأمّل.
الفضائل الأساسيّة: الحكمة وعدم التعلّق، المحبّة، التركيز.

بوذا والخلاص: في "بوذيّة ثيراﭬﺎدا" بوذا هو الملجأ والمثال الذي يُتّبع وليس إلهًا. وفي التقليد ظهرت إلى جانبه "البوديساﺗﭬﺎ" وتعني(المتنورون الكامنون) "ڠوتاما" قبل تنوُّره، و"مايتريا" أي (بوذا المنتظر)، ويتمّ الخلاص الذاتيّ العقلانيّ الأخلاقيّ بالتحوّل إلى "الأرهات"أي (الشخص الذي أعتق ذاته من التعلّقات).

مع "بوذيّة الماهايانا" تمّ تأليه البوذا، واكتسبت "البوديساﺗﭬﺎ" ككائنات لا تُحصى موجودة في الأرض أو في السماء مفهومًا جديدًا إذ أصبحت تعني "المتنورون الذين يرجؤون وصولهم إلى درجة بوذا لتقديم ذاتهم وعونهم لسائر الكائنات لمساعدتهم في الحياة وفي الخلاص".

مع "بوذيّة اﻟﭭاجرايانا" يتمّ طريق الخلاص عبر طقوس وتقاليد يشرف عليها الرهبان "اللاما" وعلى رأسهم الـ"دالاي لاما" الذي يعدّ تجسيدًا "للبوديساﺗﭬﺎ أﭬﺎلوكيتيشفارا" وهو (بوديساﺗﭬﺎ التعاطف)، والإلهة "تارا" الأكثر شعبيّة وأحد تجلّيات "البوديساﺗﭬﺎ أﭬﺎلوكيتيشفارا".
الطقوس والشعائر
الإيمان في بوذيّة "ثيراﭬﺎدا" غير مرتبط بإله، ولا يتركز على الصلاة أو العلاقة بين الإنسان والله. في البدايات كان الخلاص عند البوذيّة نتيجةً للجهد الفردي، وآتٍ من ممارسة طقوس التأمّل والحفاظ على تعاليم بوذا وتنمية الأخلاق والحكمة للتخلص من العلائق والوصول إلى الانعتاق "النيرﭬﺎنا". مع بوذيّة المهايانا أُلّه "بوذا والبوديساﺗﭬﺎ"، واكتسبت الصلاة والعبادات من جديد بعدًا خلاصيًّا، ولهذا تُقامُ العبادات داخل المعابد بشكل جماعيّ عند الرهبان وفرديًّا في البيوت.

مع بوذيّة "ﭬﺎجرايانا" تمّ التركيز على الرموز من خلال رسم وتأمل "المندالا"، وهي (دائرة تحوي مجموعة من الرموز المرسومة بحبات الرمل المصبوغ أو بودرة الألوان)، تمثّل صورة الكون الميتافيزيقيّ، وتُوضح بأن مظاهر الكون متعلّقة ببعضها البعض تعلّقًا وثيقًا. إضافة إلى تأمّل "المندلا" تُساعد عبارات صوتيّة متكرّرة، تسمّى "المانترا" في الدخول للاتحاد مع الذات العميق ومع البوذا وأشهرها "أوم ماني بادم هوم": وتختصر عادة بـ"أوم" وهو (الصوت الذي بدأ الكون به عند الهندوس وفي الفضاء الثقافيّ الهنديّ)، الجوهرة الموجودة في اللوتس. وتستند اﻟﭭاجرايانا أيضًا على "المودرا" وهي حركات محدّدة لأصابع اليدين تساعد في التركيز.

يحجُّ البوذيّون إلى أربعة أماكن: حيث ولد بوذا، وحيث بلغ التنوير، وحيث وضع عجلة القانون، وحيث دخل في "اﻟﭙارانيرﭬانا" أي (الموت).

يمتنع رهبان بوذيّة "ثيرﭬﺎدا" عن أكل اللحوم وشرب الكحول وتناول المأكولات الصلبة بعد الظهر.

أمام تماثيل بوذا والمتنورين تقدّم قرابين البخور والزهور والشموع والمأكولات للتكريم .

تحتفل جميع المدارس البوذيّة بالأحداث الأهمّ في حياة بوذا وكبار المعلّمين. يشكّل اكتمال القمر شهريًّا مناسبة للقاء الجماعة في بوذيّة "ثيراﭬﺎدا"، ويعتبر عيد "ڤيساك" الأهمّ لأنه يُحي ذكرى ولادة ويقظة وموت بوذا. عند بوذيّة "الماهايانا" يُحتفل بكلّ مناسبة منفصلة عن الأخرى.
التقاليد والخصوصيّات الثقافيّة
في بوذية الثيرافادا يرتبط المؤمنون بالرهبان والراهبات، حيث يقدمون لهم الطعام يوميًّا في مقابل العلم الذي يقدمه الرهبان للمؤمنين.

الرمز المقدّس: "العجلة" التي ترمز إلى طريق الوسط.
قيم ومواقف روحيّة
"الطريق ليس في السماء، وإنّما في قلبك." بوذا

"تخيّر كلماتك واعلم تأثيرها على مستمعك قبل أن ينطقها لسانك." بوذا

"لا يوجد فرق بين الشرق والغرب في قوانين السماء، الفروق خلقتها أذهاننا." بوذا

"تعاطف مع كلّ البشر فقيرهم وغنيهم..فالكلّ له نصيبه من معاناة الحياة." بوذا
جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive