الفكرة الأساسية التي يتمحور حولها فكر جودت سعيد، هي اللاعنف، بوَصْفِه منهجًا للحياة، وللتغيير بالوسائل السلمية، من دون إعادة إنتاج العنف المسلَّط. وهو موقف سياسي فعَّال، يكشف الوجه الحقيقي للظلم من دون التورط معه في عنفه. وقد أطلَق بعضهم على جودت سعيد لقب ‘‘غاندي المسلمين’’؛ ما يُدرج فكره ضمْن سياق عالميّ يضم المهاتما غاندي (تُوفِّي سنة 1948) في الهند، ومارتن لوثر الابن (تُوفِّي سنة 1968) في الولايات المتحدة الأميركية، وغيرهما من أبطال اللاعنف، حتى وإن كان جودت سعيد حريصًا على تسويغ أفكاره والاستدلال عليها، من منطلقات إسلامية قرآنية، من دون الإحالة إلى غاندي أو غيره. وعلى الصعيد الإسلامي، يمكن مقارنة أفكار جودت سعيد بنُظَرائه من المفكرين المسلمين، أمثال: خان عبد الغفار خان (تُوفِّي سنة 1988)، وأصغر علي إنجنير (تُوفِّي سنة 2013)، ووحيد الدين خان، وغيرهم.
ينطلق جودت سعيد من القصص القرآني، بدءًا من قصة خلق الإنسان، وقصة ابْنَي آدم المعروفة بقصة قابيل وهابيل. فبالنسبة إلى قصة الخلق، ينطلق سعيد من قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة: الآية 30]. يستدل سعيد بالآية على أنّ الغاية من الخلق لا يمكن أن تكون الفساد وسفك الدماء، بل الغاية السامية من الحياة هي العبادة والتقديس.
ما خشِيَت منه الملائكةُ، وقَع فِعلًا في قصة ابْنَي آدم، حين قَتل الأخ أخاه. ويعتمد سعيد على الآية التي تَرفض فيها الضحيَّةُ ممارسةَ العنف: ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة المائدة: الآية 28]. فهو يَعتبر أن الموقف الأخلاقي اللاعنفي للضحية هو الموقف الأصلي والأساسي الذي ينبغي أن يكون نموذجًا لسلوك الإنسان. أيضًا يَظهر من خلال منهج جودت سعيد، ردُّ الاعتبار للقصص القرآني كمصدر للعقيدة والأخلاق.
ولا يخشى سعيد من التنوع والتعددية في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة (مثل سوريا)، ضاربًا المثل بالاتحاد الأوروبي، الذي اتَّحدَت دُوَله العديدة بما فيها من قوميات وأديان ومذاهب مختلفة، ويعتقد أن ذلك تَحقّق بفضل الديمقراطية، وأنها دول اكتشفت أن مصالحها الحقيقية في تضامنها، وليس في اقتتالها.
يُؤْمن سعيد بالمبدأ القرآني ‘‘تَعَالَوْا إلى كلمةٍ سَوَاءٍ’’، لحلِّ النزاعات السياسية، خاصة في الوضع السوري المتأزِّم. فيقول: ‘‘نعطي لكم كل شيء نعطيه لأنفسنا، وإذا تجاوزتم فنحن نلتزم من طرف واحد، ونقول اشهَدُوا بأننا مسلمون بكلمة السَّواء، ولْيُرشِّح أيًّا كان نفسَه للرئاسة وإذا فاز بالانتخاب فهو يستحقها’’. ويضيف أن المستضعَفين في الأرض هم الذين يعرفون معنى العدل، وليس المستكبرين.
يرى جودت سعيد أن التاريخ يُصدقّه، فالعنف لا يحلّ المشاكل، وإن استُخدم لحلّها، فإنَّ كُلفته أعلى من أي وسيلة أخرى. وقد وصل إلى هذا الرأي من خلال دراسة أحداث التاريخ وتجارب الأمم، وهو ما يسميه النظر في ‘‘آيات الآفاق والأنفس’’ في هذا العصر، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [سور فُصِّلَت: الآية 53]. لقد أصبحت الحرب اليوم أكثر عنفًا ودمارًا من أي وقت مضى، خاصة مع التطور التِّقْنِيّ واختراع أسلحة الدمار الشامل.
يكرّر سعيد عبارته الشهيرة ‘‘الإنسان بإقناعِه يعطيك روحه وماله، وبإكراهه لا يعطيك إلَّا الكذب والنفاق والغدر’’، استنادًا إلى الآية الكريمة ﴿لا إِكراهَ في الدِّين﴾ [سورة البقرة: الآية 256]. أيضًا يوضح أن الله عز وجل يقول لا تَقْبلوا دِيني بالإكراه، ومَن شاء فليُؤْمن ومَن شاء فَلْيَكفر. لذا، إنْ كان لا إكراهَ في الدِّين، فلا يجوز أن يكون هناك إكراه في السياسة، أو في المجتمع، أو في أيِّ جانب من الحياة.
بقلم الدكتور عدنان مقراني