رباب الصدر - المُناضِلة من أجل كرامة عيش الفتيات والنساء المهمَّشات ومِن أجل الحوار بين الأديان

 رباب الصدر  رباب الصدر

رباب الصدر - المُناضِلة من أجل كرامة عيش الفتيات والنساء المهمَّشات ومِن أجل الحوار بين الأديان

سيرتـــها

وُلدت في الرابع من شهر نيسان/أبريل عام 1944، في أحد أحياء مدينة ‘‘قُم’’ الفقيرة في إيران. فكبِرَت في بيت من بيوت العلم، وكانت طفلةً مُشاكسة بين إخوتها الذين أحبُّوها ورعَوْها. تُوفِّي والدها العلَّامة المَرجِع السيد ‘‘صدر الدين الصدر’’، وكان لها من العمر تسع سنوات. فكان لذلك الفَقدِ، الأثرُ الكبير في فتاة صغيرة، في أول تَفتُّح وعْيِها بهذه الحياة، إلَّا أنّ وُجود إخوتها حولها واحتضانَهم لها، ولا سيما رعاية أخيها السيد موسى الصدر، عَوّض جزءًا كبيرًا من هذا الغياب. لم تكن الحياة أمامها معبَّدة بالورود، لكنها رغْم كل المشقات، آثرَت أن تَمضي في الطريق الذي قُدّر لها إلى نهايته. ‘‘فما هذه الحياة إلَّا مَسيرة كَدْح إلى الله، لنَلقاه بقلب سليم، يوم لا يَنفع مال ولا بنون’’ (ذلك ما تُردِّده دائمًا).

في عام 1959، عادت مع أخيها إلى أرض أجدادها في ‘‘صُور’’ جنوب لبنان. وهناك، بدأت معه رحلة طويلة امتدت إلى اليوم. وهي رحلة رعايةِ المستضعَفين، ومَنْحِهم الأمل والحب والدعم وكلَّ ما يمكن، لأجل أن يَحظوا بحياة كريمة. وبعد نحو عامين من استقرارها في ‘‘صُور’’، وتحديدًا في عام 1962، أسَّسَت مع أخيها ‘‘دار الفتاة’’ لرعاية النساء وتدريسهن، وتطوير قدراتهن، وتعليمهن فنون الحياكة والتطريز والتدبير المنزلي والإسعافات الأولية. ورغم محدودية الموارد المادية، استمرَّت في إدارة الدار بدافع من الحب والعطاء، وصار هذا العمل ينمو رغم كثير من الانتكاسات التي عرَضَت لها في الطريق.

تأسَّسَت ‘‘دار الفتاة’’ عندما كانت المرأة حبيسة البيت والأدوار المحدودة، التي أطَّرَها بها مجتمعٌ يَرْزح تحت صنوف من الحرمان الاجتماعي والاقتصادي. لذا، كانت مهمة السيدة رباب في رعاية المرأة، متمِّمة لدَور أخيها السيد موسى الصدر في نهضة المجتمع ككُلّ، بنسائه ورجاله. في ذلك الوقت، تزوجت من الأديب السيد حسين شرف الدين، وأنجبت أربعة صبيان، غيْرَ أنَّ واجبات العائلة ومهمَّات الأمومة، لم تحُلْ دون التزامها المشروعَ الذي بدأته. وقد كان زوجها من أبرز الداعمين لها. وهكذا، كان البيت ورعاية أهله، وعملها الاجتماعي، جزءَيْن لا يُلغي أحدهما الآخر، حيث أخلصَت لهما على السَّواء. أمَّا تاريخ 31 آب/أغسطس عام 1978، فكان يومًا مشؤومًا في حياة السيدة رباب، إذْ غُيّب أخوها الإمام موسى الصدر مع رفيقَيه في ليبيا. فشكَّل اختفاءُ الإمام المحطةَ التي غيّرت حياتها إلى الأبد. كانت صدمةُ فقدان السندِ والمعلِّم والرمز، أكبر من أن تُحتمل. لكن، بحسب قولها: ‘‘لا يجوز للإنسان المؤمن أن ييأس’’. عملُها الخيري مع الناس ‘‘يساوي في منزلته منزلة الصلاة، التي هي عمود الدين. فهل يتركها الإنسان إنْ أصابته مصيبة؟!’’. وهكذا، استأنفَت -رغم فاجعة الغياب والعيش القَلِق وانتظار ما لا يأتي-، حمْلَ راية العطاء والعمل الإنساني، مستهدِيَةً بوصايا أخٍ، لم يَعرف التمييز بين الناس على أيِّ أساس ديني أو عِرقيّ أو جنسي أو أيِّ تصنيف كان، لأننا جميعًا إخوة في الإنسانية.

كبِرَت ‘‘دار الفتاة’’، وصارت مؤسسات الإمام الصدر في ‘‘صُور’’، عبارة عن مؤسسات تربوية وفكرية واجتماعية وصحية. ورغم ما مرّ على هذه المؤسسات من استحقاقات وتحديات، بسبب العدوان الإسرائيلي والحرب الأهلية اللبنانية والعوائق المادية، إلا أنها استمرت تنمو وتَخدم الناس بكل ما كان مُتاحًا. واليوم، تَبلغ السيدة رباب 76 سنة. لا تَعرف معنى السَّأَم والتعب. إنه الواجب الذي يُبقِي الإنسان رغم تَقدُّم العمر فَتِيًّا، وروحه مفعمة بقوة الشباب وتَفاؤلِه. فنراها تُديم التفكر في مشاريع وطُرق جديدة حول ما ستفعله غدًا وفي المستقبل، لأن الإنسان خليفة الله في أرضه، يعمِّرها ويَبنيها بكل ما يرسم الفرح، ويرفع الهموم عن صدور المتعَبين. كان الطريق واضحًا منذ البداية، وهو أن خدمة الناس ونهوض المجتمع يقرِّبان إلى الله. فصار الطريق بعد غياب الأخ أوضح، رغم ما اعتَوره من الصعوبات. وبالفعل، تَكلَّل بالكثير من الإنجازات على مستوى دعم الفقراء والأيتام والمهمَّشين، وتقديم الحياة الكريمة من دون منّة ولا أذى.

ورغم كل المناصب السياسية التي عُرضت عليها، فقد عرض عليها أن تكون وزيرةً في الحكومة اللبنانية ثمان مرات، لكنها أعرضت عن السياسة بسبب اتِّسامها بالفساد في لبنان، ولأنها اعتادت أن تكون قريبة من الناس ومع الناس على الأرض، بعيدًا عن المحاصَصات والمهاتَرات التي يتميز بها النظام السياسي اللبناني، والذي أثبت أنه كان في عالم آخر بعيدًا عن الناس، وسببًا في تعاستهم وشقائهم. فكانت تعتذر إلى من يريدون تكريمها بمنصب سياسي قائلة: ‘‘دائمًا اطلُبُوني لعمل الخير، حتى ولو في منتصف الليل وفي أي مكان، فستجدونني حاضرة’’. لم تمنعها كثرة الأعمال والمهمات، من أن تُكمل دراستها ونيل الدكتوراه في الفلسفة في عُمر متقدم، لتُعطِي دروسًا في التحدي والأمل والشجاعة. وقد تمحورت أطروحتها حول الفلسفة العملية للإمام ‘‘موسى الصدر’’. وهكذا، فإن حياتها كانت تطبيقًا عمليًّا لمبادئ إنسانية جليلة.
جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive