خان عبد الغفار خان (باتشا خان) - المُناضل اللاعنفي والمُصْ (1890-1988)

خان عبد الغفار خان (باتشا خان) خان عبد الغفار خان (باتشا خان)

خان عبد الغفار خان (باتشا خان) - المُناضل اللاعنفي والمُصْ (1890-1988)

سيرتـــه

وُلد خان عبد الغفار خان سنة 1890. وقد أمدّ الله في عمره ليعيش 98 عامًا. تُوفِّي في 20 كانون الثاني/يناير 1988 في مدينة بيشاور الباكستانية، حيث كان تحت الإقامة الجبرية. دُفن حسب وصيته في مدينة جلال آباد الأفغانية، وشيَّع جنازته عشرات الآلاف من الناس، في مسيرة مَهيبة بين المدينتَين. وقد تعرَّض الموكب الجنائزي لاعتداء بالقنابل، نَجم عنه مقتل العديد من المشيِّعين؛ ما يعني أنَّ اسمه -حتى بعد وفاته- كان يشكّل خطرًا على بعض الأوساط الحاقدة. وقد عُرف أيضًا بــ‘‘باتشا خان’’ أو ‘‘بادشاه خان’’ أيْ ملِك الرؤساء، وأُطلق عليه لقب ‘‘فخر الأفغان’’ اعتزازًا من بَنِي قومه به، وإنْ كان يَصعب حصر الرجل ضمن أُطر قومية.

وُلد في قرية عثمانزاي قريبًا من بيشاور، ولم تكن آنذاك حدود فاصلة بين ما يسمَّى حاليًّا بباكستان وأفغانستان. كان والده بهرام خان مالكًا للأراضي بمنطقة هشتنكار، وانتمَت عائلته إلى قبائل البشتون، ويسمَّون أيضا باتان. لهم لغتهم الخاصة، ويشكِّلون معظم الشعب الأفغاني، ويوجدون بكثافة في المنطقة القبلية شمالي باكستان، إضافةً إلى انتشارهم في مختلف أنحاء شبه القارة الهندية. لقد الْتَحق عبد الغفار خان بحركة التحرر، التي أنشأها حاجي صاحب من تورانغزاي، ليؤسِّس لاحقًا ‘‘جمعية الإصلاح الأفغاني’’، ثم الحركة الشبابية ‘‘المجلس البشتوني’’ سنة 1927. بدأ نشاطه السياسي سنة 1919 مع ‘‘رولات أكت’’ و‘‘حركة الخلافة’’، وأصبح قياديًّا فاعلًا في الحركة الغاندية التي اتسمت بالعصيان المدني واللاعنف. من سنة 1921 إلى سنة 1949، اعتُقل عبد الغفار خان عدة مرات، وقضى سنوات في السجن. في عشرينيات القرن الماضي، أسَّس ‘‘خداي خدمتكار’’ أي ‘‘خُدَّام الله’’، وهو جيش من المتطوعين المَنزوعِي السلاح تمامًا (حتى السلاح الأبيض). وقد اشتُهروا أيضًا بِاسم ‘‘أصحاب القمصان الحُمْر’’، الذين كان لهم دور هامّ في الخدمة التطوعية الاجتماعية، والمصالحة والتوسط بين القبائل والأفراد، وحركة تحرير الهند بالأساليب اللاعنفية.



خان عبد الغفار خان (باتشا خان)

لم يحل التزامُه الديني دون إيمانه بالدولة العلمانية التي تُعامل مواطنيها بالمساواة، من دون التمييز بسبب الانتماءات الدينية أو الثقافية. ولهذا السبب، كان رافضًا وناقدًا للسياسات التي اعتبرها طائفية للرابطة الإسلامية (حزب سياسي مُدافِع عن حقوق مسلمي الهند وحليف لحزب المؤتمر في مناهضة الاستعمار، قبل أن يتبنى فكرة التقسيم بين الهند وباكستان)، وعارض بشدة فكرة تقسيم الهند. وهذا ما جرَّهُ إلى مقاطعة الاستفتاء حول تأسيس باكستان. ومع اعترافه لاحقًا بشرعية الدولة الجديدة وكَونِه من مواطنيها، فإنه تعرَّض للسجن عدة مرات بسبب معارضته للحكومة بين السنوات 1948 و1956. وهكذا، يكون عبد الغفار خان قد قضى أكثر من ثلث عمره بين السجون البريطانية والباكستانية.

اِعتَبرت منظمة العفو الدولية خان عبد الغفار خان ‘‘سجين العام’’ لسنة 1962. وفي سنة 1969، دُعي إلى الهند بمناسبة مئوية المهاتما غاندي من أجل تكريمه. وفي سنة 1987، قلَّدَتهُ الهند الوسام الهندي الأسمى المسمَّى بـ‘‘بهارات رتنا’’. وأيضًا كرّمَته باكستان بإطلاق اسمه على مطار بشاور الدولي، وعلى جامعة بالمدينة نفسها، حيث حمَل كِلَاهما اسم ‘‘باتشا خان’’.



فكـــــره

إنَّ تبنِّي عبد الغفار خان لِلَّاعنف منهجًا في الحياة والعمل الاجتماعي والسياسي، قد سبَق لقاءه بالمهاتما غاندي، حيث استَوحى مبادئ اللاعنف من القرآن الكريم والسنة النبوية، مثلما استَلهم غاندي أفكاره من البهاغافاد غيتا١ والتراث الهندوسي عمومًا. أيضًا ربطت عبدَ الغفار خان علاقاتٌ وطيدة بالمفكر الهندي المسلم مولانا أبي الكلام آزاد (تُوفِّي سنة 1958)، صاحب تفسير ‘‘ترجمان القرآن’’، والذي كان بِدَوره رفيقًا لغاندي في كفاحه اللاعنفي.

آثارُ عبدِ الغفار خان إنسانيةٌ حياتية أساسًا، إذ عُني بتربية الإنسان وتكوين الأجيال وبناء المدارس، خاصة للفتيات. فتعليم المرأة كان من بين أولوياته، حتى قبْل أن يلتقي بالمهاتما غاندي. أسَّس ‘‘خُداي خدمتكار’’ -حسب ما ذكَرنا سابقًا- حيث يُطلب من العضو الجديد المتطوِّع في هذا الجيش، أن يُدلي بهذا القَسم، الذي يمثل المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الجمعية:

أنا خادم (عبد) الله، ولَمَّا كان الله تعالى لا يحتاج إلى الخدمة، فإن خدمته تعني خدمة خلقه. أعِدُ أن أخدم الإنسانية بِاسم الله تعالى. أعِدُ بالكفِّ عن العنف والانتقام. أعِدُ بالمغفرة مَن يضطهدني أو يعاملني بوحشية. أعِدُ بالكفِّ عن المشاركة في الأخذ بالثارات والصراعات، وعن اتِّخاذ الناس أعداءً. أعِدُ بمعاملة كل فرد من الباتان (أي البشتون، إثنية عبد الغفار خان) بوصفِه أخًا وصديقًا. أعِدُ بالكفِّ عن العادات والممارسات المضادة للمجتمع. أعِدُ أن أعيش حياة بسيطة، وألتزم الفضيلة، وأبتعد عن الشرور. أعِدُ بممارسة الآداب الحميدة والسلوك الحسَن، والابتعاد عن حياة الخمول والكسل. أعِدُ بأن أخصِّص ساعتين في اليوم على الأقل، للخدمة الاجتماعية.

هذه الوعود والالتزامات، تحوَّلت في عدة مناسبات إلى أعمال لاعنفية، أدَّت أحيانًا إلى المخاطرة بالحياة أو التضحية بها. وهذا ما حدث عندما قُتل ما يزيد عن مائتي عضو من خدمتكار، في مظاهرات سلمية يوم 23 نيسان/أبريل 1930. وهو ما يُعرَف بمجزرة ‘‘بازار كسا خاني’’ في مدينة بيشاور، حيث تجمَّعوا من أجل إضراب عامّ. وقد استمرت المقتلة من الحادية عشرة صباحًا حتى الخامسة مساء، إلى حين تَمرَّد الجنود الهنود الذين كانوا يعملون تحت إمْرَة الجيش البريطاني، ورفضوا مواصلة إطلاق النار. وقد علَّق عبد الغفار خان على هذه المجزرة بقوله: ‘‘كل واحد من المتظاهرين العُزَّل أُصيبَ في صدره، ولا أحد منهم أُصيبَ في ظهره’’. في المدينة نفسها، وأثناء أحداث التقسيم سنة 1947، اندفع حوالي عشرة آلاف من أعضاء خدمتكار، إلى الدفاع عن الهندوس والسيخ وممتلكاتهم في بيشاور. وقد انتَقل إلى المكان عَينِه عبد الغفار خان بصحبة غاندي، لوقف أعمال العنف. وهي ليست المرة الأولى التي يزوران فيها معًا منطقة مشتعلة لإطفاء نار الفتنة.

بقي عبد الغفار خان مُؤْمنًا طَوال حياته بِوَحدة الهند الكبرى، ورافِضًا لتقسيمها إلى الهند الحالية وباكستان ثم بنغلاديش، إضافة إلى أفغانستان، لأنه لم يَرَ ضرورة إقامة دولة خاصة بالمسلمين؛ حيث إنهم عاشوا دومًا مع الهندوس والسيخ وغيرهم، ولا معنى لإقامة دولة على أساس الانتماء الديني. يقول عبد الغفار خان: ‘‘لم أتعلَّم العلمانية من بابو (أي غاندي). لقد وجدتُها في القرآن الكريم’’. فقصَد أنه لا يوجد في القرآن أيُّ أساس للدولة الدينية الثيوقراطية، وأن الدولة التي تُحقِّق العدل وتُعامل مواطنيها بالتساوي، هي الدولة المدنية.

يلخِّص خان عبد الغفار خان الإسلام في ثلاث كلمات، هي: ‘‘العمل، واليقين، والمحبة’’. وهي مبادئ انعكست مباشرة على فكره السياسي، ونظرته إلى دَور الدين في الفضاء العامّ، حيث يمكن لأتْباع كل دين أن يُدْلوا بِدَلوهم في الحياة العامة للبلاد. وللإسلام دور في هذا المجال، خاصة بفضل قيمتَي ‘‘الصبر’’ و‘‘التسامح’’. لقد دافع عبد الغفار خان بقوة عن قيمة ‘‘التسامح’’، بِوَصْفها إحدى القيم الأساسية للحياة، وأيضًا آمَن بوجود قيم أخلاقية مشترَكة بين مختلف الأديان. فمهمة الدين هي ‘‘التوحيد’’، وليس ‘‘التقسيم’’.

خان عبد الغفار خان (باتشا خان)
جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive