محمد يونس - المُناضِل في سبيل العدالة الاجتماعية وإعادة تمكين الفقراء

محمد يونس محمد يونس

محمد يونس - المُناضِل في سبيل العدالة الاجتماعية وإعادة تمكين الفقراء

سيرتـــه

وُلد محمد يونس عام 1940 في مدينة شيتاغونغ، في البنغال الشرقي في شمال شرق الهند (بنغلادش) ونشأ على القيم والمبادئ المسلمة. وفي عام 1957 الْتَحق بقسم الاقتصاد في جامعة دكا، وأكمَل درجة البكالوريوس عام 1960، والماجستير عام 1961. وفي عام 1961، عُيِّنَ مُحاضِرًا في الاقتصاد في كلية شيتاغونغ.

في عام 1965 حصل على منحة للدراسة في الولايات المتحدة، وفي عام 1971 حاز درجة الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة فاندربيلت لبرنامج الدراسات العليا في التنمية الاقتصادية. وبين عامَي 1969 و1972، عمل أستاذًا مساعدًا في الاقتصاد، في جامعة ولاية تينيسي الوسطى في مورفريسبورو. عاد إلى بنغلاديش في عام 1972 ليصبح رئيسًا لقسم الاقتصاد في جامعة شيتاغونغ.

حصل على جائزة نوبل للسلام سنة 2006، مناصَفةً مع بنك غرامين، تقديرًا لِمَا بذَلَاهُ من جهود في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وجاء في كلمة لجنة جائزة نوبل أثناء تكريمه:

‘‘وقد أظهر محمد يونس نفسَه، ليكُون الزعيم الذي نجح في ترجمة الرؤى إلى إجراءات عملية لصالح الملايين من الناس، وليس في بنغلاديش فقط، ولكن أيضًا في العديد من البلدان الأخرى. قد تكُون القروض للفقراء دون أي ضمان ماليّ، تبدو فكرة مستحيلة. لكن، منذ بدايات متواضعة قبل ثلاثة عقود، ومن خلال بنك غرامين قبل كل شيء، جعَل محمد يونس من القروض الصغيرة أداةً أكثر أهمية من أي وقت مضى، في الكفاح ضد الفقر.»
إلى جانب جائزة نوبل للسلام، نال وسام الحرية الرئاسي، والميدالية الذهبية للكونغرس. وفي عام 1984 نال جائزة ماجسايساي رامون، وجائزة الغذاء العالمية، وجائزة سيمون بوليفار الدولية في سنة 1996، وجائزة أمير أستورياس للوفاق، وجائزة سيدني للسلام في عام 1998، وجائزة سيول للسلام في عام 2006، و113 جائزة عالمية من 26 دولة مختلفة.

أَعلن محمد يونس أنه سيستخدم جزءًا من نصيبه من جائزة نوبل (1,400,000 دولار) لإنشاء شركة، تُقدِّم تكْلِفة منخفضة للمواد الغذائية للفقراء، في حين أن بقية الجائزة ستُخصَّص لإقامة مستشفى العيون للفقراء في بنغلاديش.



محمد يونس

حول البداية ولحظة الإلهام، يقول يونس: ‘‘بينما كان الناس يموتون جوعًا في الشوارع... كنتُ أَدرُس نظريات اقتصادية رائعة... كنَّا جميعًا كأساتذة بالجامعة أذكياء للغاية، ولكننا لم نكن نعرف شيئًا على الإطلاق بشأن الفقر المحيط بنا’’. ويَذكُر يونس أنه في عام 1976، وأثناء زياراته لِأَكثرِ الأُسَر فقرًا في قرية غوبرا قرب جامعة شيتاغونغ، وجَد مجموعة من النساء الفقيرات يصنَعن أثاثًا من الخيزران، ومِن ضمْنهم امرأة اسمها صوفيا بيغـوم. كانت تجلس على قارعة الطريق، وتقوم بتصنيع كراسِيَّ خشبيَّة بسيطة، باستخدام أعواد البامبو المنتشرة بكثافة في البلاد. وعندما سألها عما تفعله، أخبرَته أن عمـرها 21 عامًا، وهي أم لثلاثة أطفال، وأنها قامت باقتراض خمس تاكات (الدولار يعادل نحو 84 تاكا) من أحد التجار، الذين يحدِّدون السعـر الذي يباع به الكـرسي. وقد اشترط عليها أن تُسدِّد القرض أوَّلًا بفوائده، ما يجعلها تجني أرباحًا لا تزيد عن سِنْتين أميركيَّين فقط!

قـرَّر يونس أن يصطحب مجموعة من طلَّابه، لإجراء استقصـاء في تلك القرية ‘‘غوبرا’’، والبدء بجمع بعض البيانات عن أهالي تلك القرية، وعن أنشطتهم ومحاولاتهم للتغلب على فقـرهم. ومن النتائج التي خرجوا بها، أنَّ 42 شخصًا في هذه القـرية يعملون في مشروعات شديدة البساطة والصِّغَر، ويَجنون هامشًا ربحيًّا شديد التدنِّي، يجعلهم مَدِينِين للتجـار الذين يقتطعون القدر الأكبر من الأرباح، التي يجنونها في تجارتهم البسيطة. وتَبلغ الديـون التي يحملونها على عاتقهم، والتي تؤدي بهم إلى نوع من العبودية، وربما إلى سجنهم إنْ عجِزوا عن تسديدها: 856 تاكا، أي ما يساوي 27 دولارًا فقط. فقام يونس بإقراض الأهالي العاملين هذا المبلغ، وأمْهَلهُم في سداده إلى حين استطاعتهم، دون غرامات أو تهديدات قانونية. وأيضًا أذِنَ لهم باستخدام المبلغ في المتاجرة وشراء بعض المواد الأولية. بعد مدة، اجتمع القـرويون وأعادوا المبلغ. فكانت هذه التجربة الناجحة، الشرارةَ الأولى التي جعلته يفكـر في تعميم التجربة.



فكـــــره

في عام 1976، وبعد دراسة مكثَّفة للمشـروع، توَجَّه محمد يونس إلى الفرع المحلِّي لبنك جاناتا (أحد البنوك الحكومية البنغالية)، عارِضًا عليهم بالتفصيل فكـرة مشـروع للقروض المتناهية الصغر، الموجَّهة إلى الفقراء بدون فوائد أو التزامات مشدَّدة، والتي -إنْ طُبِّقَت وَفْقًا لخطته- سوف تساهم في إحداث طفـرة كبرى للطبقة الفقيرة، وتَحلُّ الكثير من المشاكل المعقَّدة التي يمرُّ بها المجتمع البنغالي.

رُفِضت الفكـرة من البنك، بِحجَّة أنَّ الفقراء غالبًا أُمِّيُّون، ولن يتمكَّنوا من ملء الاستِمارات اللازمة للحصول على القروض، فضْلًا عن أنه لا يوجد أية ضمانات لإعادة هذه المبالغ. لذا، هو مشروع ذو مَخاطر مرتفعة. وبعد مفاوضات، عَرَض يونس على إدارة البنك إجراء مشروع تجريبي، يقوم هو شخصيًّا فيه بضمـان قروض هؤلاء الفقراء بمبلغ 300 دولار، وبتقديم الأوراق اللازمة لكل قرض، مع ملء الاستِئْمارات نيابةً عنهم، لأن البنك لا يريد التعامل مع الفقراء مباشرة.

نجح المشـروع واستطـاع أن يحقق نموًّا ملحوظًا، عندما أقْدَم الفقراء على أخذ القروض، وإعادتها بعد ذلك بمعدَّل استرداد كبيـر جدًّا. وهو الأمر الذي شجَّع كلًّا من يونس والبنك على أن يَعملا على تطوير المشـروع، بتحويله إلى مصرف فرعي تابع للبنك، أُطلق عليه مصرف ‘‘غرامين’’، وهو ما يعني ‘‘مصرف القـرية’’. وقد أُسند إلى محمد يونس تأسيسه وإدارته كُلِّيًّا.

ركَّز بنك القـرية على مجموعة من المبادئ، أوَّلُها: أن الفقـراء سوف يسدِّدون هذه القـروض، لسبب بسيط يتلخَّص في أن القـروض شروطها شديدة السهولة من ناحية، وأنها فُرصتهم الوحيدة للخروج من الفقر من ناحية أخرى. وأيضًا تخلُّفهم عن سداد القـروض السهلة يعني فقدانهم فرصة النجاة من مستنقع الفقـر، حيث سيجدون أنفسهم في قبضة التجـار المُرابِين، الذين يشتـرطون فوائد عالية.

المبدأ الثاني، أن تحميل الفقيـر قدرًا كبيرًا من الديون، هو السبب الأساسي الذي يجعله عاجزًا عن سداد الدَّين. فقام المشروع بتوفيـر منهجية مَرِنَة تُريحهم نسبيًّا، وتُتيح لهم سداد القـرض، حيث تستمر مدة السَّداد سنة كاملة، شَرْط أن يسدِّد المقتـرضون جزءًا ضئيلًا للغاية يوميًّا أو أسبوعيًّا.

من المبادئ الأخرى التي اتَّبعها المصرف، أنه قرَّر التركيز على النساء بإقراضهنّ المال بشكل حصـريّ تقريبًا، مع مراعاة الاستثناءات من الرجال، وذلك بِناءً على دراسات موسَّعة أجراها يونس ميدانيًّا، أكدت أن النساء يشكِّلن نسبة الأغلبية من الفقراء والعاطلين والمحرومين، فضلًا عن أن النساء عادةً ما يكُنَّ مُعيلات ومسؤولات عن تحسين مستوى حياة أُسَرهن، أكثر من الرجال.

اِستطاع يونس -وفْقًا لهذه المبادئ- أن يحقق نشاطًا ملحوظًا، حيث تمكَّن في نهاية عام 1981 من توفيـر قروض متناهية الصغـر، بإجمالي 13.4 مليون دولار، استفاد منها آلاف القرويين والأُسَر. وهو الأمر الذي شجـع البنك على تطوير خطـة للانتقال إلى المزيد من المقاطعات في بنغلاديش، بعد أن تلقَّى مساعدات مالية من مؤسسات عالمية، مثل: فورد، والصندوق الدولي للتنميـة الزراعيـة.

في 1 تشرين الأول/أكتوبر 1983، قام يونس بإعادة هيكلة مصرف ‘‘غرامين’’، وتحويله إلى مؤسسة مستقلة. وعلى مدار الثمانينيات والتسعينيات، حقَّق بنك غرامين نجاحًا كبيرًا، أدَّى إلى نشوء عدد كبير من المؤسسات الفرعية، التي تصبُّ جميعها في خدمة الفقـراء، شاملةً خدمات الإقراض: للتعليم، ولبناء المنازل، وللكوارث الطبيعية، وللأسرة.

بِحلول تموز/يوليو 2007، أقرَض غرامين 7.4 ملايين مُقترِض، ما مجموعُه 6.38 مليارات دولار أميركي. وفي العام 2017، بلغ عدد فروع بنك غرامين أكثر من 2600 فرع في مختلف المناطق البنغالية، وبلغ عدد المقترضين أكثر من تسعة ملايين مقتـرض، بمعدَّلات استرداد مرتفعة للغاية تتراوح ما بين 97% و99.6%. هذا النجـاح عُدَّ نموذجًا مثاليًّا، من العديد من المشـروعات التي تبنَّتها 40 دولة حول العالم، متَّخِذة من بنك غرامين نموذجًا، يُيَسِّر نظامُه الوصول إلى أكثر القرى فقرًا، وإلى دعمها بالقروض المتناهية الصِّغَر. أدرَك يونس خطورة حرمان الفقراءِ الاقتراضَ من البنوك التجارية، بِحجَّة عدم قدرتهم على السداد، معتبِرًا أن ذلك التوجه يجعل دائرَتَي الغنى والفقر في المجتمع دائرتَين مغلقتَين. ومن ثم، كان أهم إنجاز حقَّقه المصرف على الإطلاق، هو تمكُّنه من عمل نظام ناجح لتوفير الائتمانات للفقراء، دون الحاجة إلى وجود ضمان ماليّ من ودائع أو عقارات، يَعجز عنها الفقير بحُكم تعريفه.

أيضًا أدرَك يونس أن الفقراء -وليس الأغنياء- هم الأكثر احتياجًا إلى مساعدة البنوك، والحصول على الدعم والمساندة. فنجح في تحويل عمل البنوك، من مؤسسات ربحية مادية إلى مؤسسات إنسانية رحيمة، تُسهم في الْحدِّ من الفقر والبطالة في المجتمع.

إضافة إلى كتبه التي تتناول رؤيته الاقتصادية والقيمية، أصدر عام 2010 كتابًا بالشراكة مع أشفاق سيد بعنوان: رسالة الإسلام الجوهريّة.

محمد يونس
جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive