المسجد مكانٌ للتجمّع والصلاة

تطلق كلمة “المسجد” حاليًّا عند المسلمين السنّة والشيعة، على المبنى المخصّص للصلاة إلى جانب استخدامه للتعليم والإرشاد. كان المسجد في العصور السابقة مكانًا لتجمّع المسلمين وفضاءً للتداول في شؤون حياتهم الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة. تشتقُّ كلمة المسجد من فعل “سَجَدَ” ويعني (إنحنى إلى أن يطأ الشخص جبينه الأرض)، وقد تُرجمت في العصور الوسطى إلى “ميزكيتا- mezquita” في اللّغة الإسبانية، وإلى “موسكييا-moschea” في الإيطاليّة و”موسكي-mosquée” بالفرنسيّة. ورد مصطلح “مسجد” في القرآن الكريم ليشير إلى الكعبة “المسجد الحرام” وإلى القدس “المسجد الأقصى”. وكان النبيّ محمّد قد بنى أوّل مسجد في يثرب (المدينة المنوّرة) لعبادة الله الواحد حين دخل إليها في القرن السابع ميلاديّ.

منذ ذلك الحين، يبقى المسجد المكان الجامع للمؤمنين لأداء الصلوات الخمس وصلاة الجمعة، وصلوات الأعياد الدينيّة الكبرى. في الحياة اليوميّة، يقصد المؤمنون المسجد للصلاة أو للتعبّد في تلاوة القرآن، أو للتهجد والإعتكاف أو للذكر والإرشاد.

 

۞إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ هو في الحقيقة لَلَّذِي بِبَكَّةَ [مكة المكرمة] مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ۞

القرآن الكريم ( سورة آل عمران: الآية 96).

 

 

يُبنى المسجد دائمًا في الاتجاه الجغرافيّ لمكّة المكرّمة أيّ الى"القبلة"، بشكل مربّع أو مستطيل. يتضمن المبنى غالبًا فناءً داخليًا للصلاة، مع ملحق خاص للوضوء، وقاعات لتعليم القرآن والاجتماعات. تعتبر "المئذنة" منذ ظهورها في القرن الثامن ميلاديّ عنصرًا معماريًّا سائدًا. يضمّ المسجد دائمًا مساحة للصلاة لها جدران، ضمن فضاء مفتوح أو مُغطّى بقبّة واحدة أو أكثر، مع أرضيّة مغطّاة بالسجاد. ويدلُّ المحراب حيث يقف الإمام على اتجاه "الكعبة"، البيت الأوّل الذي شيّده النبيّ إبراهيم لعبادة الله الواحد، وفقًا للتقليد الإسلاميّ. يتوسّط هذا المكان عادةً، منبرٌ عالٍ مصنوع من الخشب أو الحجر، يلقي منه إمام المسجد خطبته أثناء الصلاة يوم الجمعة وفي الأعياد والمناسبات الدينيّة الأخرى.

 

تختلف عمارة المساجد الداخليّة والخارجيّة، فمنها ما هو بسيط متقشف ومنها الغنيّ بالزخرفات والتفاصيل. ترتكز العناصر الزخرفيّة على الأشكال غير التصويريّة بسبب تحريم الصور، وأبرزها: الأشكال الهندسيّة، الزخرفات المستوحاة من النباتات، وفنّ الخط العربيّ لكتابة آيات من القرآن الكريم، كما على تقنيات الأرابيسك الغنيّة المنحوتة في الجصّ أو المرسومة على الجدران (في سوريا، مصر، وإسبانيا الأندلسية)، وعلى الفسيفساء الخزفيّة الملوّنة (في تركيا وإيران وآسيا الوسطى)، وتبرز مظاهر التقشّف في الجدران المساجد المبنيّة من الطين (كما هو الحال في غرب أفريقيا). تعكس هذه التقنيات المختلفة التنوّع في الثقافات (البيزنطيّة والعربيّة والفارسيّة والتركيّة والهنديّة والإفريقيّة) التي أثْرَتْ الجماليات الإسلاميّة. كذلك يبرز في النمط المستقبليّ الموجود في عمارة المساجد المعاصرة، مثل المسجد الكبير في إسلام آباد (باكستان)، هذا التداخل الدائم ما بين التقليد والحداثة.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive