الرجوع

تونس: بين حُلم الثورة وكابوس داعش 

الإثنين

م ٢٠١٧/١١/٢٠ |

هـ ١٤٣٩/٠٣/٠٢

لماذا هناك الكثير من التونسيين في تنظيم داعش؟ كثيرًا ما أُسألُ هذا السؤال خارج تونس أو على مواقع التواصل، وهو سؤال لا أملك جوابًا قاطعًا عنه، رغم بحثي عن الإجابة طَوَال السنوات الست التي مضت، لا لأَنِّي تونسية بل لأَنِّي مثلكم أريد أن أفهم.

هناك حوالي ستة آلاف تونسي في تنظيم داعش، وهو رقم كبير مقارنة ببلد كتونس تعداد سكانه 11 مليونًا. وظاهرة ارتباط الدواعش بتونس لا تقتصر على عدد المقاتلين في التنظيم، بل تشمل العمليات الإرهابية التي استهدفت تونسيين وأجانب في الأعوام الماضية، ولا ننسى عمليات الدهس الإرهابية التي نفذها أوروبيون من أصل تونسي في عدة مدن أوروبية. وأي محاولة لتبنِّي وضعية النعامة لن تُجدِي نفعًا، فإنكار الواقع لا يفيد التونسيين في دحر الإرهاب والتطرف، بل يزيد من بُؤَر تجنيد الشباب.

المفارقة الكبيرة أن هذه السمعة السيئة -إن صح التعبير- التي تطارد تونس، أتت بعد وقت قليل من ثورتها التي "أبهرت العالم" بإسقاط نظام ديكتاتوري، بانتفاضة شعبية ناشدة للحرية والديمقراطية. المفارقة الثانية تكمن في التناطح بين مصطلَحَي التطرّف الديني والعلمانية. فَلِتونس تقاليد في العلمانية منذ ستين عامًا، ومؤشر التعليم فيها أعلى من غيره في دول عربية أخرى، وهذان المصطلَحان عادة ما يتقدمان في كل طرحٍ صحفي أو بحثي، عند الحديث بأسباب ارتفاع عدد الدواعش التونسيين.

مناهضو العلمانية يستدلون على المؤشر الأول بالذات لاتهام العلمانية بأنها السبب في التطرّف، "والدليل تونس"، معتقدين أن العلمانية رفْضٌ للدين وإقصاء له، ومِن ثَمَّ نشوء جيل لديه نزعة متطرفة كردة فعل طبيعية. لكن الحقيقة مختلفة تمامًا عن هذا الطرح؛ فالعلمانية ليست إقصاء للدين، ثم ما الذي يفسر خروج عدد كبير من الدواعش في بيئة أخرى غير علمانية؟ أيضًا لا يمكن اعتبار نظام ابن علي نظامًا محسوبًا على العلمانية، بل على الديكتاتورية التي خلقت شرخًا في البنية الاجتماعية التونسية، بالتنكيل بالإسلاميين واليساريين على حد سواء، وكانت لذلك آثار في تبنِّي الفكر المتطرف السلفي الجهادي تحديدًا.

يمثل الشباب نسبة 70% من السكان في تونس، في حين تمثل نسبة البطالة 15%، وهذا قد يعني أن الملتحقين بداعش ليسوا جميعهم بلا عمل، لكن سهولة تجنيد الفئات الهشة اقتصاديًّا تجعل من العاطلين عن العمل هدفًا للتنظيمات الإرهابية، ومنها داعش. ولو أضفنا تذبذب فئة من الشباب بعد الثورة وانعدام الوعي في أوساطهم، إلى حالة الفوضى التي شهدها عدد كبير من المساجد بعد الثورة، إثر سيطرة السلفيين التكفيريين عليها وخروجها عن سيطرة وزارة الشؤون الدينية، لَوجَدْنا أرضية ملائمة تمامًا للتجنيد. وهكذا تحولت تونس إلى بُؤَر لاصطياد مقاتلين تونسيين، ودفْعِهم نحو مناطق النزاع في ليبيا وسوريا والعراق.

الأمر الآخر هو معضلة الجمعيات المشبوهة في تونس. 18 ألف جمعية رأت النور بعد الثورة، و8000 فقط لها ملف ضريبي، وعدد كبير من هذه الجمعيات كانت مجرد غطاء لأنشطة إرهابية، والجهات الرسمية لا تملك أي معطيات عنها ولا تعرف مصادر تمويلها.

تضافرت في تونس إذن العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ لخلق جو ملائم يكون حاضنًا لشباب مندفع نحو العنف. وتشير إحصائية نُشرت يوم 14 نوفمبر 2017 إلى تسجيل أكثر من 600 ألف قضية عنف في تونس هذا العام؛ ما يمثل  25% من العدد الإجمالي للقضايا، وهو ما يقيم الدليل على أن الجنوح إلى العنف وليس فقط إلى التطرّف والإرهاب، لم يتقلص، بل زاد.

قد يكون هذا إنذارًا خطيرًا بتفاقم ما يسميه علماء النفس "الشخصية العدائية"، في صفوف التونسيين. فحين يتراجع دور الأسرة، ويجري تسطيح دور المدرسة التربوي بل انعدامه، وحين تتآكل القيم المجتمعية التي بإمكانها أن تكون صِمَام أمان مجتمع ما، علينا حينها فعلًا أن ندق ناقوس الخطر.

في مؤتمر انعقد في تونس قبل عامين لمناقشة أسباب التطرّف عند الشباب، عدَّد الدكتور عبد اللطيف الحناشي أسباب انضمام الشباب التونسي إلى داعش، ومنها: وجود اندفاع في شخصية التونسي، والدعاية الدينية المركزة ضد النظام السوري، ودور الدعاة العرب والمسلمين، وتوظيف وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، ودور الشبكات والخلايا التي تقوم بتسفير الشباب التونسي إلى مناطق النزاع. وذكر أن 40 % ممن انتقلوا للقتال في سوريا كانوا من خريجي السجون؛ ما يؤكد أن السجن ليس فقط مؤسسة إصلاحية، بل كان ولا يزال إطارًا للتجنيد.

قد لا نملك حلولًا فورية لاجتثاث التطرّف من صفوف الشباب، لكنَّ وقف الزحف التكفيري يحتاج إلى خطة تتكاثف فيها جهود الدولة والمجتمع المدني. ومن أهم الأولويات مراجعة الخطاب الديني، وتصحيح المفاهيم الدينية التي استسهلت لعقود مصطلحات خطيرة كـ"الجهاد"، و"القتال"، و"الكفار".

* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبته ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive