الرجوع

في سيكولوجيا الإرهاب والتطرف

الإثنين

م ٢٠١٩/٠٥/٢٠ |

هـ ١٤٤٠/٠٩/١٦

صدمَت العملية الإجرامية، التي شهدَتها سريلانكا بمناسبة أعياد الفصح، والتي أوْدَت بحياة 350 شخصًا، الوعْيَ الجمعي العالمي. ووَصف وزيرُ الدفاع السريلانكي منفِّذي العملية الإرهابية، بمجموعة من الأثرياء، وقع تجنيدهم من طرف "جماعة التوحيد الوطنية". وأضاف: "معظم المهاجمين تلَقَّوا تعليمًا عاليًا، ومن عائلات ميسورة اقتصاديًّا، ودرَس بعضهم في الخارج".

تَضمُّ قائمة منفِّذي الهجمات: الأخَوَين إنشاف أحمد وإلهام إبراهيم (وهما نجْلا رجل أعمال ناجح في مجال التَّوابل)، وزوجةَ أحد الأبناء (وهي ابنة تاجر جَواهر، فجَّرَت نفسها وثلاثة من أولادها)، إضافة إلى عبد اللطيف جميل محمد، الذي درس هندسة الطيران في المملكة المتحدة. وقد أثارت الانتماءاتُ السوسيواقتصادية للإرهابيين، الذين منهم من ينتمي إلى عائلات ثريّة، ومنهم مَن تخرَّج في جامعات بريطانية، وعاش في أستراليا، العديدَ من التساؤلات حول أسباب التطرف العنيف وعوامله.

يبدو أن المقاربة الاقتصادية، التي تعتمد على مَقولات الفقر والتهميش، المعهودة والمألوفة لتفسير هذه الظاهرة الهاذِيَة (غير المعقولة)، لم تعُد كافية. فالإرهاب يحتاج أيضًا إلى مقاربة نفسية ومعرفية لفكِّ رموزه، ولتفكيك دلالاته، وإدراك معانيه. ولفهم هذه المقاربة، يمكننا إبراز بعض الآليات المعرفية والنفسية، التي تفسِّر الانخراط في دوّامة التطرف العنيف.

1- إستراتيجية كبش الفداء

تجسيد شيطنة الآخر وصُنع "كبش فداء"، مِن أهمِّ الآليّات التي تبرِّر وتشرِّع الفعل الإرهابي. وتجسِّد هذه الحيلةُ اللاشعورية الميلَ البشري، إلى إسقاط انفعالاتنا ودوافعنا غير المرغوب فيها على الآخرين -الأقلِّيّات والمختلفين-، حتى نُبرئ أنفسنا ونُبعد عنها الشبهات، وحتى لا نَفقد احترامنا لذواتنا. فنحن نَنسب إلى "كبش الفداء" جميع المفاسد، ونحمِّله مسؤولية كلِّ المآسي والمصائب التي حلّت بنا. ومِن ثَمّ نتملّص من الاعتراف بالإخلالات وبالأخطاء الذاتية، التي تسبِّب لنا الشعور بالنقص أو بالمهانة. وفي نفس السياق، يلعب "كبش الفداء" وظيفة نفسية، تتلخَّص في التنفيس عن الكراهية والعدوانية المكبوتة، بطريقة شرعية ومقبولة.

2- تجفيف الضمير الأخلاقي

لا تتحول الفكرة الإرهابية إلى فعل إرهابي، إلَّا بفضل الفتاوى الدينية. فهذه الفتاوى هي التي تعطي العنف الشرعية اللازمة، وتحوِّله من جريمة لاأخلاقية وبشعة، إلى فريضة أو حدٍّ من حدود الله. فالإرهابي لا يمرُّ إلى الفعل، إلّا في بيئة تنتهك حقوق الإنسان، وتمجِّد الاستشهاد وتحرِّض عليه، وتُنمي لدى شبابها غريزة الموت على حساب غرائز الحياة.

تلعب فتاوى التكفير وكراهية الآخر دورًا محوريًّا، في تحرير عدوانية الإرهابي وساديَّته من الضوابط الأخلاقية المعهودة، أي التعاطف مع الضحية والتَّواجُد العفوي معها. هذه الفتاوى تقدِّم للإرهابي تأمينات روحية، تُعْفيه من أيّ مسؤولية ذاتية. فيُصبح مجرد آلة تنفيذ صمّاء، لأن تلك الفتاوى تَنسف لديه الشعور بالمسؤولية، وتجفِّف ما تبقَّى لديه من ضمير أخلاقي، ومن شعور صِحِّيّ بالإثم.

3- وَهْم امتلاك الحقيقة المطلقة

تتميز الهيكلية الذهنية للتطرف العنيف، بالهَوس بامتلاك الحقيقة المطلقة، وبالتسمُّر في اليقينيّات المُطَمْئنة. وغالبًا ما يشعر المتطرف بالقلق والضياع، نتيجة التطور المتسارع للعالم، ونتيجة المستجدَّات العلمية والاكتشافات المذهلة، التي تُزعزع يقينيّاته وتهدِّد أمنه الروحي. فكلَّما تعدَّدَت الآراء والحقائق، وكلَّما تنوَّعت المذاهب والملل، ازداد تشبُّث المتشدِّد بالثوابت. وبطريقة لاشعورية، يسعى المتطرف إلى حلِّ القلق، بالقضاء الرمزي أو الجسدي على كل أشكال الاختلاف والتعدد، لأن المختلِف عنه عِرقيًّا أو دينيًّا أو جنسيًّا، يهدِّد تماسُكَه النفسي الضعيف، ويَنسف توازنه الوجداني الهشّ.

إنَّ كشف النِّقاب عن العوامل النفسية والمعرفية للتطرف والإرهاب، يُبرز أهمية التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية، في تحصين النشء من الإرهاب. فدَور رجال الدين والقادة الروحيِّين، هو تمرير القيم الإنسانية الخالدة، ومساعدة الشباب على استبطان المقاصد الدينية المشتركة، التي تحرِّض على الخير والمحبة والوئام، والتي نجدها في كل المعتقدات. فصُورتنا اليوم أمام العالم قاتمة. والسؤال هو: هل نبقى مُنتجين للإرهاب، أمْ لا؟

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive