الرجوع

من الأصلح للحكم: الإسلاميون أم العلمانيون؟

الخميس

م ٢٠٢٢/١٠/٢٧ |

هـ ١٤٤٤/٠٤/٠٢

منذ نحو عقدين والجدل في العراق يدور حول من الأصلح لحكم البلاد، الإسلاميون أم العلمانيون. هذا الجدل الذي لم ينته، يقابله فشل كبير للحكومات التي قادها إسلاميون وعلمانيون. لقد اشترك في الحكم في نظام ما بعد صدام حسين، علمانيون وإسلاميون من الشيعة والسنة والكورد أيضًا. فلماذا فشل الجميع بدلالة الأوضاع الحالية للعراق؟

عزز فشل الحكومات التي قادتها أحزاب إسلامية -على وجه الخصوص- هذا الجدل، الذي ينشط مع كل قصة تتعلق بالحريات وحقوق الإنسان والفساد، وبقية ملفات المشكلة العراقية المركبة. هناك فهم سائد لدى عدد ليس بالقليل، أن نجاح الحكومات يرتبط بشكل مباشر بانتماء رئيسها أو وزرائها. وهذا برأيي سلوك إقصائي، عَلِم صاحبه أم لم يعلم. فاعتقاد أحقيتك دون غيرك بالحكم، إقصاء للآخر بطريقة غير مباشرة.

منذ عام 2005، رأست أربع شخصيات من خلفات حزبية إسلامية الحكومات العراقية، وهي: إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وحيدر العبادي (هؤلاء الثلاثة جميعهم من حزب الدعوة الإسلامية)، ثم عادل عبد المهدي من المجلس الأعلى الإسلامي الذي استمرت حكومته نحو 13 شهرًا، وقد قدم استقالته بناءً على دعوة مرجعية علي السيستاني بعد موجة احتجاجات واسعة ضده في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. ومع هؤلاء الأربعة، نستطيع القول: إن علمانيَّيْن اثنَين ترأسا الحكومة العراقية، هما: إياد علاوي، ومصطفى الكاظمي. لا يُمكن الحكم كثيرًا على تجربتَي علاوي والجعفري لقِصَرهما، لكن بقية التجارب لعبت دورًا كبيرًا في تغير الأوضاع في البلد، وبروز فئات وجماعات جديدة، مسلحة كانت أم اقتصادية أم سياسية.

أوضاع العراق الحالية وحدها، هي التي نستطيع القول عنها بأنها الحكم المُجرد على هذه التجارب. فنسبة الفقر في البلاد وصلت إلى 30٪، وفقًا لما نقله موقع العربي الجديد عن مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية مظهر محمد صالح؛ إضافة إلى تفشي الفساد، وفقدان الخدمات، وتهالُك البنية التحتية، فضلًا عن هدر الأموال، وتحول البلاد إلى سوق كبير لبضائع دول أخرى.

تجربة الـ 19عامًا التي عاشها العراقيون، أثبتت برأيي أن المشكلة الأساسية في العراق ليست كون رئيس الحكومة ينتمي إلى حزب إسلامي أو علماني، بل إن المشكلة في آلية الإدارة. ويظهر أن العامل المشترك بين هؤلاء، هو تغليب المصلحة الشخصية ومصالح المقربين.

النظام السياسي الحالي، رسّخ لدى كثيرين فكرة مفادها: أن وصولك إلى السلطة هو من أجل نفسك لا من أجل الآخرين. وهذا في حد ذاته كان محفزًا كبيرًا إلى ابتعاد رؤساء الحكومات عن خدمة الناس، وإلى الاقتراب من خدمة مصالحهم فقط. رؤساء الحكومة الإسلاميون -والعلمانيون أيضًا- لم يخدموا المواطنين. ثم إن تجربة الكاظمي الأخيرة صارت قصة تتداولها الأحزاب المتمسكة بالسلطة، ومفادها: "السؤال عمَّا قدمه العلمانيون عندما صارت السلطة بيدهم".

هذا التتابع الفظيع في الفشل، تحول إلى مقارنة مفادها: نحن فشلنا، لكنكم فشلتم أكثر منّا. بمعنى أن المفاضلة صارت بين المتحكمين في القرار، لتحديد من الأقلُّ فشلًا بينهم، وليس الأكثر نجاحًا. وهذه في حد ذاتها كارثة. الفكرة الأساسية التي أنتجت هذا الخراب، تكمن في أن الجميع تقريبًا كانوا شركاء في الحكم، بصرف النظر عن نسبة النفوذ وقوته. فهل هذا كان السبب الوحيد؟ بكل تأكيد لا. إن الإسلاميين والعلمانيين أسهموا جميعهم في تحويل مؤسسات الدولة العراقية إلى مَقارَّ حزبية، وشركات تعمل لمصلحة أتباعهم والموالين لهم. فغُيبت المؤسسة، وبرز الأشخاص.

إن بناء الدولة لا ينجح في إبراز الأشخاص وتفضيلهم على المؤسسة، ولا يُمكن أن تكون هناك نتائج مستدامة في ظل قرارات ارتجالية تنتجها عواطف وانفعالات ومصالح الشخص والحزب، بعيدًا عن سياسات وآليات مؤسساتية. وعليه، فإن الحاكمين والمتنفذين الإسلاميين والعلمانيين، كانوا سببًا في تغييب الدولة ومؤسساتها، فأنتجوا فشلًا يُعانيه العراقيون حتى اللحظة.

بالمحصلة، لا أعتقد أن خلفية رئيس الحكومة العقائدية أو الأيديولوجية مهمة بالنسبة إلى العراقيين، بقدر ما يهمهم الجواب عن هذه الأسئلة: "هل نحصل على مَشافٍ حديثة ونظيفة؟ وهل تكون لأطفالنا مدارس صالحة للتعليم؟ وهل تُعبَّد شوارعنا؟ وهل نحفظ كرامتنا عندما نُراجع دائرة حكومية؟ وهل نحمل جواز سفر يليق بنا؟".

الإجابة عن هذه الأسئلة هي الأهم بالنسبة إلى شعب ذاق مرارة الذل والفشل منذ عقود طويلة، وشعبٍ لا خدمه الإسلاميون ولا العلمانيون. إن تجارب عديدة إسلامية وعلمانية في المنطقة، أثبتت أن الانتماء الديني والأيديولوجي والعقائدي لا يقف عائقًا أمام مساعي التنمية وتطوير البلدان، بل على العكس، كانت محفزًا أساسيًّا إلى إثبات الوجود أكثر.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive