الرجوع

شباب العراق: الثروة التي تُهدر

الخميس

م ٢٠٢٢/٠٧/١٤ |

هـ ١٤٤٣/١٢/١٥

يستهدف واضعو الخطط والإستراتيجيات مجموعة محددة من الفئات، ويحاولون الوصول إليها، سواءٌ ربحيةً كانت هذه الخطط والإستراتيجيات أو غير ربحية، أو سياسية، أو حتى إرهابية. الشباب هم أولى الفئات المستهدَفة، فهم مستهلِكون ومنتِجون في آن واحد، وأدوات قوة لأي مؤسسة أو نشاط، وفاعلون أساسيون في التعامل مع النشاطات المجتمعية والسياسية والدينية وغيرها.

يَبلغ تعداد السكان في العراق وفقًا لآخر إحصاء أعلنته وزارة التخطيط العراقية في آذار/مارس 2022: 41 مليون نسمة. 64% منهم في عمر الـ15 عامًا، أي أن أكثر من ثلثي المجتمع هم من فئة الشباب، وذلك إنْ أضفنا إليهم الذين لا تزيد أعمارهم عن 30 عامًا. هذا في حد ذاته مؤشِّر دالٌّ على أننا نمتلك ثروة أهم من النفط. إلَّا أن النفط لا يُمكن أن يعود وحده بالمنفعة على المجتمع، وكذلك توافُر النفط مع عنصر الشباب المهملة طاقاته  يكون غير ذي جدوى أيضًا. فاستثمار قدرات الشباب وتطويرها، يعني استثمارًا صحيحًا في النفط وبقية القطاعات، وسيكشف وجود قطاعات أخرى غير مستثمَرة.

النجاح في إدارة الثروة البشرية، ربما يكون أعلى مراتب النجاح في فن الإدارة. وأن نستثمر في الموارد البشرية يعني أننا نستطيع الاستثمار في كل شيء، وأن نطور الموارد البشرية يعني أن التطوير سيشمل كل شيء، وهذا موجود وواضح في تجارب بلدان عديدة.

في الأربعة عقود الماضية على الأقل، لم يلق الشباب العراقي بيئة مناسبة للعيش والتعلم فيها، ولم يجدوا برأيي اهتمامًا من الحكومات التي تعاقبت خلال تلك الفترة لاستثمارهم وتطوير قدراتهم. فالشباب العراقي كان حطبًا للحرب مع إيران. عسكرَهُم نظام البعث آنذاك بشكل كبير، ووأد أحلامهم بعد انتهاء الحرب مع إيران، ببدء حرب جديدة غزا فيها الكويت، فقُتل الكثير منهم في الحصار الدولي الذي فُرض على العراق نحو 13 عامًا، وُصولًا إلى يوم سقوط نظام البعث عام 2003، ودخول الشباب العراقي في متاهات جديدة بين الإرهاب والسلاح والحرب الطائفية، والعسكرة الممنهجة من قبل النظام السياسي الجديد.

همَّشَت برامجُ الأحزاب السياسية في الانتخابات التشريعية فئةَ الشباب، وأيضًا انتخابات مجالس المحافظات منذ عام 2005، واقتصر استخدام نشاطهم في الحملات الانتخابية لإيصال بعض من هم في السلطة الآن. نستطيع القول إن الشباب كانوا أدوات وليس قادة. 

ربما نستطيع القول: إن الخيارات كانت متعددة أمام الشباب العراقي بعد عام 2003، لكنها خيارات أفضلها سيِّئ، مثل: التطوع في الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتوفير الوظيفة الحكومية للمنتمين حزبيًّا أو مقابل مبالغ مالية كبيرة، والهجرة المحفوفة بالمخاطر، والانتماء إلى جماعات مسلحة مساندة للنظام السياسي. كان هناك بعض الاستثناءات في الكثير من الأحيان، لكنها كانت معدودة جدًّا. لقد رُسخت في عقل الشباب العراقي فكرة أن "الوظيفة الحكومية هي الحل"، فتبددت طموحاته وأحلامه وخبراته في وظيفة لا ينتج منها أي شيء، وتَستهلك عقله ووقته. هذه الإستراتيجية التي انتهجتها الأحزاب لبناء مجتمع وظيفي مُوالٍ لها، خلقت بيئة شبابية كسولة، لا تطمح إلى شيء سوى الحصول على أمر إداري بالتعيين في مؤسسة حكومية.

على عكس ما يحدث في العراق، تعاني بلدان كثيرة الشيخوخة، أبرزُها اليابان وإيطاليا والبرتغال وأوكرانيا، إضافة إلى 16 دولة أخرى، وفقًا لموقع الجزيرة نت. تبحث هذه البلدان عن الشباب باعتبارهم ثروة مستدامة تبني وتبتكر وتصنع وتُفكر في المستقبل. في المقابل، تُهدر ثروتنا في العراق بشكل مخيف.

حقق بعض الشباب في العراق قِصص نجاح، لكنها كانت قِصصًا فردية، نتجت من اجتهادات شخصية وظروف صُودِف كونها ملائمة، لكننا حتى الآن نفتقد نجاحات جماعية، ونجاحات مؤسساتية، وبرامج تطوير، وتحويل طاقات الشباب من الاستهلاك في الوظيفة الحكومية والعسكرة إلى الاقتصاد والتكنولوجيا، وغيرها من مجالات هي العمود الفقري للعالم. المشكلة موجودة أيضًا لدى بعض الشباب الذين لا يجتهدون، ولا يطورون قدراتهم مع توافر كل شيء تقريبًا على الإنترنت، من مواد تدريبية وفرص جيدة توصلهم إلى المؤسسات بسهولة. ثم إن بعضهم يرفض فكرة "المشاريع الصغيرة"، ويعتبرها غير لائقة به أو هدفًا دون طموحه، في حين ترتكز اقتصادات مجتمعات عديدة على هذه المشاريع المسماة "الصغيرة".

إن الشباب العراقي ثروة تُهدر كل يوم، وقد تكون نتائج هذه الثروة عكسية على النظام السياسي، أو على الحكومات على الأقل. فهم يرون كيف يعيش الشباب في العالم المتحضر بهواتفهم النقالة، ويقارنون بين ما يعيشونه وما يعيشه غيرهم. إنهم يحلمون بحياة أفضل من التي يعيشونها، ثم إن فرصة استثمارهم لمصلحة البلد سانحة وبشكل كبير. أما البطالة والإهمال فيدفعان إلى سد فراغهم بانتماءات متطرفة، واهتمامات تزيد من تجهيل المجتمع. وهذا ما نراه يوميًّا على مواقع التواصل الاجتماعي، فنجد شبابًا يبحثون عن الشُهرة باستخدام أي محتوى كان، حتى وإن كان فيه إساءة لهم أو لغيرهم.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive