الرجوع

مُعضلة العنصرية الدينية

الإثنين

م ٢٠١٧/٠٣/٢٧ |

هـ ١٤٣٨/٠٦/٢٩

نحتاج إلى كثير من الجرأة والموضوعية، لنقول بأن العنصرية الدينية هي أسوأ أشكال العنصرية. فهي تقوِّض كرامة الإنسان، وتُفقد الأديان مضمونها الأخلاقي، وتجعل "إله العالمين" مجرد "إله عشيرة"، أو في أحسن الأحوال "إله أقلِّيّة".

لا تتوقف قيمة الإنسان وحقوقه، على ما يَجِد عليه نفسه من عِرق، أو لون، أو ديانة، وإنما تتجلى قيمة الإنسان في إنسانيته التي لا تقبل التقسيم، أو الاجتزاء. فالاختلافات بين الشعوب ليست مبرِّرًا لكراهيَتِهم وانتقاص حقوقهم، وإنما هي مهماز يحفزهم على البحث عن المشتركات الكبرى، التي تجمعهم وتعمِّق معرفتهم بإنسانيَّتَهم وغاية وجودهم.

من الواضح أن العنصرية الدينية يصعب اكتشافها وعلاجها، فهي تتغذى على جهل الإنسان وجهالته، وشعوره بالتهديد والبغضاء، وتتستَّر وراء أثواب القداسة، وسلطة الحقيقة.

لقد أفْضَت زيادة الخلط بين الصراعات السياسية والدين، إلى إنتاج عنصريات صلبة لا تقبل النقد، أو المراجعة. وفي هذا السياق نذكر العنصرية "الصهيونية"، التي قامت باستغلال المعتقدات الدينية اليهودية، وأعادت توظيف مقولَتَي: "شعب الله المختار"، و"الأرض الموعودة"، ونجحت في استدراج عدد كبير من اليهود من شتَّى الأعراق والقوميات، وجعلتهم جزءًا من المشروع الاستعماري في فلسطين.

فالاعتقاد بأنَّ اختيار الله لبني إسرائيل، اختيارٌ إلهي غير مُعلَّل ولا مشروط؛ هو نتاج فهمٍ سقيم لقول التوراة: " لأَنَّكَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، وَقَدِ اخْتَارَكَ الرَّبُّ لِكَيْ تَكُونَ لَهُ شَعْبًا خَاصًّا فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ". (سفر التثنية: 14/2).

وبناء على هذا النص، أطلق اليهود على أنفسهم تسمية «عم قادوش» أي «الشعب المقدَّس»، و«عم عولام» أي «الشعب الأزلي»، وغيرهما من التسميات التي تُشعر بتميُّزهم عن سائر الشعوب.

وفي السياق الإسلامي، لم يكن فهمُ القرآن بمعزل عن الأجواء والمشاعر العنصرية، كما هو الحال في فهم بعض الفقهاء لقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا} [التوبة: 28]. فقد رأى هؤلاء الفقهاء غيرَ المُسلم نجسًا نجاسةً عينية، ولم يتنبَّه هؤلاء على أن هذا الفهم الخاطئ يقوِّض العمق الإنساني للقرآن، ويعيد إنتاج مقولة "الغوييم" ونجاستهم، وَفْق المنظور العنصري في التفسير اليهودي.

وفي نص آخر، نجد مفهوم "الخيرية" لدى بعض المسلمين، يقترب في دلالاته من مفهوم "شعب الله المختار"، كما في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. والواقع أن الفهم الدقيق لهذه الآية، لا ينسجم مع القول بالأفضلية. فالخيرية والأفضلية في الآية، تتوجه نحو الناس "أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"، وهي تتجلى فيما يبذله الناس من خير وعطاء لغيرهم من الأمم، وليس فيما يجدون عليه آباءهم من سمات عرقية، أو تصورات دينية.

كما أن تقديم (الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) في الآية، على الإيمان بالله، يؤكد أن عمل الخير، وتحقيق النفع العامّ، والسعي لإبعاد المجتمعات عن الشرور، والفساد، والظلم، هو المعوَّل عليه في الخيرية.

إنَّ مَن يستحقون الخيرية الأفضلية، ليسوا هم مَن يدَّعونها، وإنما هم هؤلاء الذين يشير إليهم غيرهم بالأفضلية والعطاء. فالأفضلية ليست تسمية يتوارثها الناس من ديانة أو طائفة بمحض الميلاد، وإنما هي شهادة صادقة يقدمها الناس لمن يبذلون لهم الخير.

إن أبسط دليل على فساد العنصرية، هو تناقض مضمونها المنطقي. فالعنصريون لا يرضون بأن تطبَّق عليهم معايير التمييز، التي يمارسونها تجاه غيرهم!

ومن أجمل ما جاء في كلام النبي الكريم، في تقويض العنصرية، والتمييز، وفي بناء الأخوَّة الإنسانية الجامعة، قوله عليه السلام: "لا فَرْق بين عربيٍّ ولا أعجميٍّ، ولا أبيض ولا أسود، إلاَّ بالتقوى".

والتقوى هنا ليست اسمًا لديانة، أو تصورًا نظريًّا، وإنما هي العدالة، والرحمة، ومكارم الأخلاق، التي يعيشها الإنسان تجاه خلقِ الله، والتي تجعله أكثر قربًا إلى الله.

* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2025
تصميم وتطوير Born Interactive
معلومات ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين التنقل في الموقع وتحليل استخدام الموقع والمساعدة في جهود التسويق. تحقق من سياسة ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا للحصول على التفاصيل.

إعدادات الخصوصية

حدد ملفات تعريف الارتباط التي تريد السماح بها. يمكنك تغيير هذه الإعدادات في أي وقت. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي هذا إلى عدم توفر بعض الوظائف. للحصول على معلومات حول حذف ملفات تعريف الارتباط، يرجى الرجوع إلى وظيفة المساعدة في المتصفح الخاص بك.
تعرف على المزيد حول ملفات تعريف الارتباط التي نستخدمها.

ضروري
وظائف
تحليلات
تسويق

هذا الموقع سوف:

  • يتذكر إعداد إذن ملفات تعريف الارتباط
  • يسمح بملفات تعريف الارتباط للجلسة
  • يجمع المعلومات التي تدخلها في نماذج الاتصال، والنشرة الإخبارية والنماذج الأخرى عبر جميع الصفحات
  • يساعد على منع هجمات التزوير (CSRF) عبر الموقع
  • يحافظ على حالة جلسة الزائر عبر طلبات الصفحة
  • تذكر إعدادات التخصيص
  • يتذكر الإعدادات المحددة
  • يتتبع الصفحات التي قمت بزيارتها والتفاعل الذي اتخذته
  • يتتبع حول موقعك ومنطقتك على أساس رقم IP الخاص بك
  • يتتبع الوقت الذي تقضيه في كل صفحة
  • يزيد جودة بيانات وظائف الإحصاء
  • يستخدم المعلومات للإعلان المخصص مع أطراف ثالثة
  • مح لك بالاتصال بالمواقع الاجتماعية
  • يحدد الجهاز الذي تستخدمه
  • يجمع معلومات التعريف الشخصية مثل الاسم والموقع

هذا الموقع الإلكتروني لن:

  • يتذكر إعداد إذن ملفات تعريف الارتباط
  • يسمح بملفات تعريف الارتباط للجلسة
  • يجمع المعلومات التي تدخلها في نماذج الاتصال، والنشرة الإخبارية والنماذج الأخرى عبر جميع الصفحات
  • يساعد على منع هجمات التزوير (CSRF) عبر الموقع
  • يحافظ على حالة جلسة الزائر عبر طلبات الصفحة
  • يتذكر إعدادات التخصيص
  • يتذكر الإعدادات المحددة
  • يتتبع الصفحات التي قمت بزيارتها والتفاعل الذي اتخذته
  • يتتبع حول موقعك ومنطقتك على أساس رقم IP الخاص بك
  • يتتبع الوقت الذي تقضيه في كل صفحة
  • يزيد جودة بيانات وظائف الإحصاء
  • يستخدم المعلومات للإعلان المخصص مع أطراف ثالثة
  • يسمح لك بالاتصال بالمواقع الاجتماعية
  • يحدد الجهاز الذي تستخدمه
  • يجمع معلومات التعريف الشخصية مثل الاسم والموقع

حفظ وإغلاق