الرجوع

الخِطاب الديني لمن؟

الخميس

م ٢٠١٨/١١/٠١ |

هـ ١٤٤٠/٠٢/٢٢

هل كان الخطاب الديني موجَّهًا منذ البداية إلى الرجال؟ ماذا لو لم تعترض النساء منذ بداية الدعوة الإسلامية، وفي المراحل التي كان ينزل فيها الوحي، على المخاطَبة الذكورية الواضحة للرجال من دون النساء؟ هل كانت المخاطَبة ستستمرُّ بصيغة ذكورية؟

لقد كانت البذرة الأولى لولادة الفكر النِّسوي في الإسلام، والتي سبقَت كلَّ التيارات النِّسوية، عندما احتجَّت النساء في عهد الرسول، على غياب خطاب قرآني مباشر من الله إلى النساء، وكانت سببًا في نزول آية تُساوي بين الجنسَين. ففي الرواية: "سمعتُ أمَّ سلمَة زوجَ النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم تقول: قلتُ للنبي صلَّى الله علَيهِ وسَلَّم: يا رسول الله، ما لنا لا نُذكَر في القرآن كما يُذكَر الرجال؟ قالت: فلم يَرُعنِي ذاتَ يوم ظُهرًا إلَّا نداؤُه على المِنبر وأنا أسرِّح رأسي، فلفَفتُ شعري ثم خرجتُ إلى حُجرة من حجرهنّ، فجعلتُ سمعِي عند الجَريد، فإذا هو يقول على المِنبر: يا أيها الناس إنّ الله يقول في كتابه {إنَّ المُسلمينَ والمُسلمَاتِ والمُؤمنينَ والمُؤمناتِ...}" (ابن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آيِ القرآن).

بَعْد تَساوي الخطاب الديني الموجَّه إلى الذكور والإناث على حدٍّ سَواء، وبعد مرور قرون طويلة على انتهاء الوحي وإتمام الدعوة، وبغضِّ النظر عمّا جاء من التمييز بين الرجل والمرأة في بعض الأحكام والتشريعات، كما في صلاة الجماعة والجهاد والشهادة والميراث، وجَعْل الطلاق بيد الرجل، والذي يرى فيه بعضهم شيئًا من التمييز بين الرجل والمرأة، وبعضهم الآخر يرى فيه عدالةً إلهية جاءت لحكمة، والتي ما زالت حتى وقتنا الحالي مثارًا للجدل والخلاف.

اِستمرَّ موضوع الجندر في الإسلام يَظهر دائمًا على الساحة، حتى ظهرعدد من النساء المسلمات، طالَبْن بقراءة جديدة للنصوص الإسلامية في القرآن والسُّنَّة بعيون نِسويّة. فالإسلام من وجهة نظرهنّ لا يشكّل مشكلة للنّساء، بل يمنحهنّ الحقوق والامتيازات. وتبعًا لذلك، فإنّ هدفهنّ الأعمّ يتمثّل بِنشر التّعريف بتلك الحقوق، والعمل على احترامها وتطبيقها من قِبَل الجميع. بمعنى آخر، فإنّ سبب معاناة النّساء لا يَكمن في الإسلام، ولكن في الجهل به، وفي التّفسيرات الخاطئة له.

 سعى هؤلاء النساء بشكل أساسي إلى خلق معرفة لدعم المساواة بين الجنسين، وتقديم حلول لمجتمعات المسلمين الحديثة توفِّر لها العدل والمساواة، وإلى المناداة بالمساواة الرسمية والحقيقية على حدٍّ سَواء. واعْتمَدْن في ذلك على العودة إلى المصادر الأساسية للإسلام، وإعادة قراءة القرآن بعيون نِسويّة، لطرح تساؤلات، مثل: كيف يمكن لي اليوم أن أفهم هذه الآية؟ وكيف يمكن أن أستخدمها؟ وهل يمكن أصلًا أن أستخدمها، أم أنَّ عليَّ أن أحذو حَذْو أسلافي الذين قرّروا أن بعض الآيات لم تَعُد تنطبق على عصرهم؟ وتركِّز دراسات هؤلاء النساء على الآيات القرآنية التي تتناول العلاقة بين الجنسين، ومفاهيم الزواج والطلاق، والحجاب، والمواريث، وغيرها ممّا يختصُّ بحياة المرأة ومستقبلها.

ولكن يا للأسف، بعضهم لا يقدِّر جهود هؤلاء النساء وينتقدهنّ انتقادًا شديدًا، لدرجة اتِّهامهِنَّ بالكفر والفجور من قِبَل بعض العقول الظَّلامية المتخلِّفة. وليس هذا وحسب، فمع كلِّ محاولة نِسويّة تَظهر العشرات من التيارات الدينية المتشدِّدة، والبعيدة كلَّ البعد عن الوسطية والاعتدال، التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف. وما أكثر القنوات الفضائية الدينية، التي تُظهر لنا رجالَ دِين او متديِّنين، يُصدرون أحكامًا وفَتاوي غريبة عجيبة، خصوصًا تلك التي تخصُّ النساء، لدرجة أن بعضها من عدم منطقيَّته مُثير للضحك.

إلى متى ستبقى النساء موضوع الاجتهادات والفتاوي الباطلة؟ ألم يَحِن الوقت لاحترام النساء وعقولهنّ، وما وصلن إليه من علم وفهم، واحترام حقِّهنّ في التخلص من الجهل والسلطة الذكورية، المغلَّفة بطابع ديني لكي تأخذ شرعيَّتها؟

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive