الرجوع

اللاجئون السوريون في الأردن

الثلاثاء

م ٢٠١٧/١١/٢١ |

هـ ١٤٣٩/٠٣/٠٣

يمثل العرب والمسلمون في وقتنا الراهن نسبة كبيرة من عدد اللاجئين في العالم، وهي نسبة تؤكد وجود مشكلات تتعدى أزمات الدول والمجتمعات التي ينتسبون إليها، إلى اختلالات المحيط الإقليمي واعتلالات النظام الدولي. وعلى مدى التاريخ شهد عالمنا العربي والإسلامي موجات عديدة من اللجوء، من أبرزها لجوء المسلمين من الأندلس إلى شمال أفريقيا، ولجوء الشركس والشيشان والأرمن والأفغانيين واللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين، وفي نهاية المطاف اللاجئون السوريون الذين تقدر أعدادهم بملايين الأشخاص.

بالإضافة إلى صعوبات البقاء ولقمة العيش، تجتمع في اللاجئ آلام الاغتراب والحنين إلى الوطن، والخوف من المستقبل المجهول. وتمثل أزمة الهوية والبحث عن جنسية أخرى، مشكلة أخرى تؤرِّق اللاجئ وتشغل تفكيره.

لا يمكننا المقارنة بين اللجوء السوري إلى الأردن أو لبنان، واللجوء السوري إلى ألمانيا أو كندا، حيث تمثل الروابط القومية والثقافة والديمغرافية، حاضنًا اجتماعيًّا طبيعيًّا بعيدًا عن الحسابات السياسية والاقتصادية للمشكلة.

يمثل اندماج اللاجئين مشكلة وتحديًا كبيرَيْن، سواء للمجتمعات المضيفة أو لِلَّاجئين أنفسهم. وتزداد حدة هذه المشكلة عندما تختلف السمات العرقية أو الثقافية لِلَّاجئين، عن سمات تلك المجتمعات المضيفة. ويزداد الخوف من اللاجئين عندما تشكل نسبتهم العددية تغييرًا في الديمغرافية السياسية، وخاصة في المجتمعات التي ترتبط فيها الحقوق، بالنسبة العددية والمسميات العرقية والطائفية.

امتزجت العائلات الأردنية بالعائلات السورية قبل تشكُّل الدولة الوطنية المعاصرة، وهنا نجد كثيرًا من أسماء العائلات السورية في الرمثا وإربد وجرش، كما نجد في الامتداد العشائري للقبائل البدوية في البادية الشمالية الأردنية، شاهدًا يؤكد تشابك النسيج السكاني على جانبي الحدود الأردنية والسورية.

وبحسب مسؤولة العلاقات الخارجية في المفوضية السامية لدى الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نداء ياسين بلغ عدد اللاجئين السوريين الذين يعيشون داخل المخيمات قرابة 141 ألف شخص، وهذا الرقم يمثل قرابة 21% من نسبة اللاجئين السوريين في الأردن، في حين يعيش بقية السوريين في المدن والقرى الأردنية جنبًا إلى جنب مع سائر المواطنين الأردنيين. وفي دراسة أجراها مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية في شهر سبتمبر 2017، ورد أن أكثر من خُمس السوريين لديهم أقارب أردنيون، وأنَّ 170 ألف طفل سوري مسجلون في المدارس الحكومية في العام الدراسي 2016-2017.

وأظهرت احصاءات رسمية، صادرة عن إدارة شؤون المخيمات التابعة لوزارة الداخلية الأردنية أن عدد السوريين الموجودين في الأردن قبل آذار/مارس 2011 كان 750 ألفًا، وقد تضاعف هذا العدد بعد ست سنوات من النزاع ليبلغ قرابة مليون و700 ألف شخص،

 ولكن، ومع كل مشاعر التعاطف والتضامن، لا يمكن الاستهانة بتبعات وجود مثل هذا العدد في دولة ذات موارد محدودة، سبق لها أنِ استقبلت موجات لجوء أخرى من العراق وفلسطين. وهنا وبحسب قول وزير الصناعة والتجارة الأردني يعرب القضاة فإن 35 % من سكان الأردن هم من اللاجئين.

لم يكن الوجود السوري في الأردن مجرد وجود استهلاكي، فقد أقام السوريون عددًا كبيرًا من المصانع في الأردن، وكشف مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة القسرية، ومقره جامعة اليرموك في دراسة رسمية، أن حجم رؤوس أموال الشركات التي يمتلكها سوريون في الأردن خلال الفترة ما بين 2011-2013 قد بلغ 39.6 مليون دينار أردني،  وأسهمت القوى العاملة السورية في زيادة معدل الصادرات الزراعية والصناعية وتحسين جودة عدد من الخدمات.

مما يؤكد أن الجانب الاقتصادي هو الأكثر تأثيرًا لدى كثير من أبناء المجتمعات المضيفة، وهو الذي يشكل مواقف كثير من المواطنين الأردنيين، أننا نجد بحسب وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية أن تكلفة الأزمة السورية على الأردن حتى نهاية عام 2016 قد قُدِّرت بنحو 13.3 مليار دولار أميركي.

لقد أدركت الدولة الأردنية أهمية اشتمال المعونات الدولية المقدمة للاجئين، على دعم الموارد الاقتصادية الأردنية، وقد جاء ذلك في المقترحات الأردنية التي قُدِّمت في مؤتمر المانحين الأخير في لندن عام 2016، والتي طالبت بتعزيز التنمية وجذب الاستثمارات بشكل يخدم اللاجئين والمجتمعات المضيفة.

وفي الوقت الذي تلوح فيه بين الفينة والأخرى مخاوف بعض الأردنيين، من أطروحة الوطن البديل على مستوى حل القضية الفلسطينية، فإن مخاوف الأردنيين من تجنيس السوريين أو توطينهم، هي مخاوف لا تكاد تُذكر، خاصة وأن ملامح الانفراج قد بدأت تلوح في الأفق.

مما يقلل من المخاوف ما جاء في استطلاع أجراه معهد لاهاي للابتكار القانوني في شهر أكتوبر الماضي على 600 من اللاجئين السوريين في الأردن، حيث صرَّح 88% منهم برغبتهم في الرجوع إلى بلادهم في حال وقوع تحسن في الوضع الأمني.

ومع كثافة الجهود الأردنية، وما تقدمه العديد من الجهات الدولية من المساعدات والمعونات، ما يزال عددٌ كبير من اللاجئين السوريين في الأردن يعانون الفقر وقساوة العيش. ولنا هنا أن نتساءل قائلين: ماذا لو أنفقت الدول العربية عُشر ما تنفقه في نزاعاتها وحروبها الداخلية، على اللاجئين العرب الذين كانوا ضحية تلك النزاعات المجنونة؟!

* هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعبّر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive