الرجوع

أخطار العنف وأنواعه الثلاثة

الإثنين

م ٢٠٢٢/٠٣/٠٧ |

هـ ١٤٤٣/٠٨/٠٤

عندما نتكلم عن العنف، قد يبدو أحيانًا وكأنه محتم ولا مفر منه في مجتمعاتنا. وقد يذهب الكثيرون/ات إلى حد اعتباره جزءًا لا يتجزأ من طبيعتنا البشرية.

هل فعلًا العنف جزء من طبيعتنا البشرية؟ عند التحدث بـ”الطبيعة البشرية“، لا بد من التنبه على ما يُشكل عاملًا يتشارك فيه كل البشر. مثلًا: المشاعر المتنوعة هي طبيعة بشرية، وكلنا نملك مشاعر متنوعة: كالحزن، والفرح، والغضب، والخوف…إلخ. في طبيعتنا البشرية أيضًا، حاجات أساسية إلى: الطعام، والهواء، والحب، والاحترام، والتقدير، والتواصل، والمشاركة… وغيرها، لكون كل إنسان يحتاج إليها دون استثناء. 

أما العنف برأيي، فلا يحتاج إليه كل إنسان، ولا يمارسه كل إنسان. فلو كان جزءًا من ”الطبيعة البشرية“، لفَنَت البشرية. لكن ذلك لا يعني أن العنف غريب عنا أو خارجنا. هو طاقة أو قدرة يمكن لكل إنسان اعتمادها -أو لا- لنيل ما يريد. هو إستراتيجية يعتمدها بعضهم وليس الكل. فعندما أشكو من الجوع الشديد، يمكنني اختيار العنف إستراتيجيًّا (السرقة أو القتل) لنيل حاجتي، وأيضًا يمكنني اختيار وسائل أخرى إستراتيجيًّا (طلب المساعدة أو العمل أو الإنتاج الغذائي…).

للعنف وإستراتيجياته أوجه متعددة، ودرجات وأبعاد كثيرة. وقد تمرَّس بعض البشر باعتماد أساليب عنيفة وأبعاد مؤذية، تصل إلى قتل شعوب بأسرها. فمن السهل رؤية العنف المباشر، إذ هناك مرتكِب واضح وضحية واضحة. أما العنف المتخفي -حيث لا نرى مَن المرتكِب ولا نَعلم عدد ضحاياه-، فهو الأخطر.

تخيَّلوا مُثلثًا مقلوبًا رأسًا على عقب، يقف على رأسه. في الواقع، لا يمكن للمثلث المقلوب الثبات، لكن هنالك ما يدعمه في مكانه، ويبقيه في تلك الوضعية. في زاويته السفلى مثلث صغير، هو العنف المباشر، وهو الأوضح، ويدخل فيه العنف المباشر، النفسي، اللفظي، والجسدي. هذا النوع من العنف صارخ، ويمكن رؤيته في العنف المنزلي، وفي جرائم القتل، وفي التنمر وخطاب الكراهية، وفي الحروب… هنا، نَعلم الجهة المرتكِبة، ونرى الضحية واضحة.

في الجزء الأكبر المتبقي من هذا المثلث المقلوب، هنالك عنف آخر أكثر خطرًا، وهو العنف الهيكلي. هنا، لا نرى الضحية مباشرة، بل نرى مجموعات من ضحايا الأنظمة أو القوانين أو اللاعدالة. المرتكِب مبهَم في قوانين أو أعراف، أو في غير القوانين والأعراف. مثلًا: غياب الخدمات الصحية أو التربوية في مناطق الأطراف، وتشريع قوانين أحوال شخصية ظالمة لشريحة اجتماعية معيّنة، وغياب الموارد الأساسية في بعض المناطق الجغرافية حول العالم، وإقفال الحدود أمام اللاجئين/ات الهاربين من الحروب، وغياب القوانين الكافلة لحرية الدين والمعتقد وحرية التعبير وحرية الضمير، ووصول المقتدرين/ات إلى أفضل الخدمات الأساسية…إلخ. هذا النوع من العنف منتشر جدًّا، وتتطلب مواجهته نضالات طويلة الأمد وإرادة للتغيير.

هذا المثلث المقلوب، والذي يقف على زاوية واحدة، لا يمكنه الوقوف لولا عامل ساند له، غير مرئي، وهو العنف الاجتماعي الثقافي. المجتمع بفكره الداعم لنَوعَي العنف المذكورَين آنفًا، يحيط بهذا المثلث ويسند رأسه وجوانبه، ويغذيه ويتغذى به. العنف الثقافي الاجتماعي هو قبول للعنف وتبريره بحجة ”العادات“، و”التقاليد“، و”الأعراف“، و”العادات“ ، و”الرضوخ لواقع معيّن“، و”الأكثرية“… أيضًا هو تبرير لختان البنات، أو العنف المنزلي، أو الاغتصاب. هو تبرير لظلم الأقليات بحجة أنها أقليات، وهو العنصرية في اللون أو الجنس أو الدين أو الإثنية، وهو منطق الـ”نحن، وهم“. فالـ”نحن“ دائمًا أفضل من الـ”هم“، وأكثر براءة أو مظلومية.

العنف الثقافي هو الأكثر تأصُّلًا وانتشارًا. مواجهته هي الصعوبة الكبرى، لأننا غالبًا نرى أنفسنا في مواجهة مع ذوينا أو مع من نحب، وفي مواجهة مع مخاوفهم على أعراف ومعارف وسرديات، أصبحت مع الزمن جزءًا من هويتهم.

إن العمل للحد من العنف، يبقى العمل الأهم والأثقل على النفوس. ومن خلاله تُمهَّد طريق الحد من العنفَيْن الهيكلي والمباشر. هو عمل جبار، ويتطلب شجاعة لرفض المُسيء من العادات والأعراف والتقاليد، والحفاظ على الذي يُغني المجتمعات من تلك العادات السليمة. هو تقزيم للخوف من التغيير الإيجابي، وهو فصل للزُّؤَان عن القمح.

 

    مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

    إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

    جميع الحقوق محفوظة © 2024
    تصميم وتطوير Born Interactive