الرجوع

اللاجئون ليسوا أرانب

الثلاثاء

م ٢٠٢٣/٠٥/٠٢ |

هـ ١٤٤٤/١٠/١٢

"هم يتكاثرون كالأرانب، هم يأخذون مواردنا، هم لا يربّون أولادهم بل يرمونهم في الطرقات ليمتهنوا التوسل، هم نَوَرٌ ووَسِخُون، هم يستفيدون من أموال الأمم ولا يريدون العمل، هم لديهم قِيَم تتناقض مع قيمنا، هم لا يريدون العودة إلى ديارهم، هم لا يشبهوننا في شيء، هم لا يملكون أخلاقًا وقيَمًا، هم خطر مُحدِق ويرتكبون معظم/كل الجرائم والسرقات وعمليات القتل، هم يجب إيقافهم عند حدّهم قبل فوات الأوان، هم يجب منعهم من التجول ومن والتزاوج ومن الإنجاب، هم يجب طردهم أو سجنهم أو قتلهم…".

هذا غيض من فيض مما يُقال عن اللاجئين في كل أصقاع الأرض، وفي مختلف الأزمات، من ميانمار إلى لبنان، مرورًا بالسودان وتركيا والأردن وغيرها. وقد يشعر بعضكم/ن بالرضى قائلًا: "نعم! هذه هي حقيقتهم"، وقد يشعر بعضكم/ن بالاستفزاز قائلًا: "هذا كلام عنصري وخطاب كراهية، وهو مرفوض". وإن كنتم/ن من الـ"هم" المقصودين بالحديث عنهم هنا، فشعوركم هو الغضب والاستفزاز. ويمكن أن تخافوا على المصير، لعلمكم بأنَّ لكل كلمة وقْعًا مختلفًا عند كل إنسان، وتأثيرًا مختلفًا، ونتيجة مختلفة، وقد تكونون ضحيتها القادمة.

والآن، هل يمكنكم/ن القيام بتحديد التصاريح التي تُشكل خطاب كراهية فيما ورد آنفًا؟ إن كانت إجابتكم/ن أن كل ما ورد آنفًا هو خطاب كراهية، فأنتم على خطأ. فمع شعوركم بالانزعاج، ومع أن بعض ما ورد هو تعميم، أو خطاب استفزازي، أو خطاب يشكل إزعاجًا أو تمييزًا، فإنه ليس خطاب كراهية. أما الباقي من التصاريح، فمعظمه خطاب كراهية من مختلف الدرجات. 

في التصاريح الواردة سابقًا، الكثير من الخوف على المصير، والكثير من الكراهية، والكثير من إساءة استعمال حرية التعبير. هذا النوع من الخطابات موجود حتى في الأخبار الصحافية غير البريئة. نتساءل مثلًا: ما الإضافة البنّاءة إلى خبر سباحة بعض الأطفال في بركة عامة في وسط العاصمة، عندما نحشر فيه كلمة "سوريين"؟ وما النيّة والهدف؟ فإن افترضنا أنهم كانوا أطفالًا لبنانيين أو غجرًا أو فرنسيين، فهل يكون لذكر هويّتهم ضرورة؟ الخبر هو قيام بعض الأطفال بالقفز والسباحة في بركة ذات أهمية رمزية، والصحيح أنه يقع على البلدية مسؤولية التحقق من عدم استعمال هذه المساحة لأغراض السباحة. هذا هو كل ما في الأمر. أما إضافة عبارة "أطفال سوريين"، فمن شأنه تأجيج النفوس المشحونة أصلًا ضد شريحة من الناس، ومِن ثَمَّ الحضّ على الكراهية.

لماذا يُعتبر مهمًّا فصل خطاب الكراهية عن باقي أنواع الخطابات؟ لأن موجات التعبير عن الخوف من الـ"هم"، غالبًا ما تحمل في طيّاتها خطاب كراهية. وسرعان ما يضيع مفهوم خطاب الكراهية وحدوده مع سواه من أنواع الخطابات. ووسط شهامة الكثيرين/ات في مواجهة خطاب الكراهية، يبدأ قمعٌ مُضادٌّ لكل خطاب يطُول تلك الشريحة. فيصبح أي حديث في إشكالية اللجوء والنزوح أو أي موضوع إشكالي آخر، هو خطاب عنصري، وخطاب كراهية. وهذا نوع من أنواع كمّ الأفواه، والعنف المُضاد. فكيف يمكننا الفصل بين ما هو حضّ على الكراهية، وما هو مُستفزّ، وما هو مُزعج، وما هو غير عنصريّ؟

نبدأ بالتعرف إلى مفهوم خطاب الكراهية، بحسب إستراتيجية الأمم المتحدة لمواجهة خطاب الكراهية (٢٠١٩): "خطاب الكراهية هو أي نوع من أنواع التواصل بالخطاب أو الكتابة أو السلوك، يتهجّم أو يستعمل لغةً فيها من الازدراء أو التمييز تجاه شخص أو جماعة بناءً على من هم، بمعنى آخر، بناءً على ديانتهم أو إثنيّتهم أو عرقهم أو لونهم أو نسبهم أو جنسهم أو أي بُعد آخر من هويّتهم". إذن، أيُّ كتابة أو خطاب أو سلوك، يتهجّم أو يزدري أو يميّز أي مكوّن من مكوّنات الهوية، فهو خطاب كراهية بدرجات مختلفة. فهل يعني ذلك كمَّ الأفواه على طريقة Politically Correct لعدم خدش شعور أحدهم، أو وصْمَ كل من حاول الحديث في إشكاليات النزوح واللجوء بأنه عنصري وكارِه؟ كلا طبعًا، إذ لا يمكن قياس ما يخدش المشاعر بشكل موَحّد، لكوننا لا نتلقى الكلام بشكل موحّد. وحرية التعبير مُكرسة في ضمن إطار "عدم الإزعاج"، أي في ضمن إطار الاحترام.

لذا، سنحاول هنا توصيف مضمون التصاريح السابقة في بداية هذا المقال، ثم إبدالها بعبارات أخرى تخلو من أنواع خطاب الكراهية، بحيث يفتح الباب للنقاش الحر والبنّاء. مثلًا:

- "هم يأخذون مواردنا" (خطاب مزعج وشمولي غير دقيق). البديل: ساهَم النزوح في استنزاف الموارد الضئيلة أصلًا.

- "هم يتكاثرون كالأرانب" (خطاب كراهية). البديل: نسبة ولاداتهم مرتفعة، مقارَنةً بمعدل النمو السكاني للبلد.

- هم نَوَرٌ ووَسِخُون (خطاب تمييزي عنصري). البديل: نمتنع أصلًا من قول مثل هذه العبارات المهينة لأكثر من جهة.

- هم لا يشبهوننا في شيء (خطاب تمييزي). البديل: يختلف بعضنا عن بعض في الكثير من الأمور.

- هم لا يملكون أخلاقًا وقيَمًا (خطاب كراهية). البديل: نمتنع دائمًا من قول مثل هذه العبارات المهينة.

- هم خطر مُحدِق (خطاب يحث على الكراهية). البديل: أشعر بالخوف في هذا الوضع المعقّد.

- هم يجب منعهم من التجول ومن التزاوج ومن الإنجاب (خطاب كراهية). البديل: نتجنب أبدًا الدعوة إلى حرمان أي إنسان أو جماعة الحقوق الإنسانية والمدنية.

- هم يجب طردهم أو سجنهم أو قتلهم (خطاب كراهية). البديل: نمتنع من قول عبارات تدعو إلى العنف أو الإقصاء.

والآن، وبعد أن صحَّحنا مفاهيمنا.. يمكننا أن نتناقش!

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive