الرجوع

بين رمضاني وصومي الكبير

الخميس

م ٢٠٢٢/٠٣/٢٤ |

هـ ١٤٤٣/٠٨/٢١

في هذا العام، وفي وطننا بلد التنوع الديني والجغرافي والإثني، يحلُّ علينا الشهر الفضيل رمضان، بالتزامن مع الصوم الكبير قبل عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية، الذي بدأ منذ مدة قصيرة. 

تكدست لحظات الذكريات الطيبة لِزَمنَي الصوم في ذاكرتي مع مرور السنين، وأتطلّع بشوق لخلق لحظات جديدة هذا العام، مع أني لست مسلمة، ولن أصوم رمضان، ولا الصوم الكبير، لأسبابي الخاصة.

لكني سأعيش هذا الزمن من العام، وأنا أنظر أكثر إلى السماء، وأتابع دورة القمر. سأنتظر دعوة إفطار من هنا، وحملة زكاة أشارك فيها من هناك. سأقف في طوابير ما قبل الإفطار، وأتلذذ بأطايب الشهر الفضيل. سأتابع زحمة مسلسلات رمضان، وأقرأ تعليقات المشاهدين/ات. سأردد: ”رمضان كريم“ أمام الأصدقاء والمعارف هنا وهناك. سأبتسم لزينة الشوارع، وسأضحك كثيرًا خلال النقاشات اللطيفة أحيانًا أو الحادّة أحيانًا، والتي تبحث كل عام عن الصوم الأصعب بين المسيحية والإسلام. هذا هو رمضاني.

أيضًا سأتلذذ بأطايب الطعام ”القاطع“ (الخالي من المواد الحيوانية)، وسأستمع للتراتيل، وأردد: "صيام مقبول" هنا وهناك. سأنتظر تحضيرات عيد الفصح، وأساعد في صنع المعمول وتجهيز البيض الملوّن. سأتابع خميس الغسل والجمعة العظيمة، وسأحضُر المَرَّة الألْف ”يسوع الناصري“. هذا هو صومي الكبير.

ذلك هو التنوع الذي عشتُه، وعشقتُه. هذه هي التعددية، والعيش مع الاختلاف الأحب إلى قلبي. سأذكُر بالخير من اهتم بتوزيع الطعام كل يوم جمعة طيلة شهر رمضان، على سكان الحي قرب الجامع في باريس، خلال أزمة كورونا، وسأذكُر استفادة ابني من فيض الخير في غربته ووحدته، دون سؤاله هل هو مسلم أم لا، ودون التعرف إليه، ودون رؤيته. هذا هو رمضاني.

سأذكُر بالخير من زرتهم خلال رمضان، وإصرارهم على تقديم واجب الضيافة "فنجان قهوة" رغم صيامهم، وأيضًا إصراري على عدم شربها لكي لا أظلم برائحتها حناجرهم الجافّة. سأذكر بالخير من ناولني كوب ماء مع ابتسامة رغم كونه/ها صائمًا، ومن ضيّفني قطعة حلوى رغم امتناعه منها منذ خمسين يومًا. هذان هما: رمضاني، وصومي الكبير. 

لن أذكُر من حاول فرض صيامه على كل من حوله، ولن أذكر من زجر المفطرين/ات واستشاط غضبًا، متهمًا إياهم بالكفر. لن أذكر من يحاول إصدار قوانين عجيبة، لا تشبه رحمة الدين وفلسفته. هذا هو رمضاني الذي شهدتُه كل حياتي عن بُعد، رمضان الخير والعطاء والمشاركة والمحبة.

يحل رمضان هذا العام بالتزامن مع الصوم الكبير. فيصوم المسلمون/ات والمسيحيون/ات معًا، وينتعش المجتمع كله معهم، بمَن آمَن وبمن لم يؤمن، وبمن صام وبمن أفطر. فكم نحن في حاجة إلى الفرح والمشاركة!

الصوم ليس سباقًا، ولا مباراة تحمُّل تأتي بكأس للفريق الرابح. الصوم ليس زمنًا لفرض القوة والسيطرة. الصوم هو التخلي عن الكثير لاكتشاف الأهم. والأهم هو علاقاتنا الإنسانية، ودورنا في بناء مجتمع أكثر رحمةً ومحبة ولطفًا. هو زمن مراجعة الذات، وطرح الأسئلة الجوهرية.

الصوم هو تمرين جسدي ونفسي، تمارسه مختلف الديانات حول العالم، لِما له من آثار إيجابية في الروح والجسد، ومن تثبيت للإيمان والمحبة.

فأهلًا برمضان، وأهلًا بالصوم الكبير. أهلًا بالصائم وبغير الصائم. فخير الصوم لكل المجتمع، بكل أطيافه وألوانه وميوله. فلْيَبرُز وجه الخير والعطاء، ولْيَنتصر على الظلامية والأحادية. وليكن الإيمان فعل خير، ومحبة الآخر، بالأخص ذلك الآخر المختلف عنا. فهنا التحدي، وهنا القوة والشجاعة، عندما نحب الآخر المختلف، الذي قد تتضارب مفاهيمه/ها مع مبادئنا ومفاهيمنا، لأننا بذلك نصبح "الإنسان“ بكل أبعاد الكلمة.

هذا رمضاني، وهذا صومي الكبير. زمَنَا الاحتفال بالتنوع والتعددية، وزمَنَا الألفة والفرح.  

 

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive