الرجوع

العنصرية في مواجهة العنصرية

الثلاثاء

م ٢٠٢٠/٠٦/٠٩ |

هـ ١٤٤١/١٠/١٨

الحديث في العنصرية ليس بجديد، كذلك ليس بجديد أن تواجَه العنصرية بمثلها، وإلَّا لمَا وصلْنا إلى هذا الحال، الذي يَنظر فيه بعضهم إلى الآخر على أساس: اللون أو الجنس أو الدِّين أو المذهب أو القومية، أو المنطقة أيضًا.

يقول نيلسون مانديلا: “لا يوجد إنسان وُلِد يَكره غيره، بل تَعلَّم الكراهية. وبما أنه يستطيع تعلُّم الكراهيَة، فبإمكانه تعلُّم الحُب أيضًا”. نحن نتأثر بما حولنا من أحاديث وقصص وروايات، ونمتص هذا الكمَّ الهائل من الكراهية تجاه المجتمعات الأخرى، خاصة تلك التي لم يَحدث أيُّ تَماسٍّ بيننا وبينها، إلَّا في الصور النمطية منها؛ ومِن ثم تكبر الكراهية تجاهها وتترسخ، وتُصبح وكأنها حقيقة مسلَّم بها. أيضًا لا يُمكن للكراهية أن تأتي دون مؤثر أو فعل، على عكس الحُب الذي قد يحصل بمجرد النظر إلى الآخر. وعادة ما تكون الكراهية نتاج تصورات مغلوطة وغير حقيقية عن الآخر، ذلك الذي جاء من حيث جئنا.

مَن منا اختار دينه الذي ولد عليه أو لونه أو مذهبه أو قوميته أو منطقته أو عشيرته أو بلده؟ ومن اختار أمه أو أباه؟ لا أحد. فلماذا يعتقد بعضنا أنه أفضل من غيره؟ ولماذا يرى الآخرَ أقلَّ إنسانية منه، وجميعنا نعود لآدم، وآدم من تُراب؟! فمثلًا: مع الأحداث الأخيرة التي تشهدها الولايات المتحدة الأميركية، على إثر مقتل جورج فلويد، برزت حملات مدافِعة كبيرة (مُنظّمة وغير مُنظّمة). وهذا يشير إلى تقلص تلك المساحة في العالم التي تستقبل وتَقبل العُنصرية رغم وجود العُنصريين/ات. إنَّ “فلويد” الذي تعاطف معه السُّمر والبِيض، والمسلمون/ات وغير المسلمين/ات، والأميركان وغير الأميركان، ليس هو الضحية الأولى للعنصرية في أيامنا هذه، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، لكنه الضحية التي برزت قضيتها لأسباب عدة.

في مقابل التعاطف والتضامن الكبيرَين مع فلويد، برزت مجموعة من المتعاطفين/ات غريبة بعض الشيء. أقصِد تلك التي برزَت في العراق، مع بروزها في دول أخرى أيضًا. فالعراقيون/ات تضامنوا مع فلويد بشكل كبير، وكتبوا كثيرًا في السوشيال ميديا، لكن الغريب هذه المرة أن العنصريين/ات الذين خطبوا وهتفوا وكتبوا ضد النشطاء في الاحتجاجات العراقية الأخيرة، تعاطفوا مع فلويد ومع المحتجين/ات؛ ما ولَّد ظاهرةً من التعاطف “الانتقائي”. فمَن يروِّج العنصرية في العراق بشكل أو بآخر، صار يتعاطى مع اللاعنصرية في أميركا؛ ليس تضامنًا مع الضحية فلويد، بل بُغضًا بأميركا. لكنه في ذات الوقت يصمت ويسكت، ويغض البصر عن الممارسات العنصرية التي يقوم بها في العراق، أو التي تقوم بها الجماعة التي ينتمي إليها.

اُسْتُخدِمت القضية الإنسانية لقضايا غير إنسانية، وصار التعاطف المصطنَع مع الضحية ليس لأجلها، بل لمواجهة الجاني الذي تتضارب المصالح معه. برأيي، في مثل قضايا كهذه توجد ضحية واحدة. لكن، هُناك أكثر من جانٍ. فالجُناة الجُدد يُتاجرون بقضية إنسانية، يُفترض فيها أن تتجرد من كل ما يُنافيها.

هؤلاء العُنصريون/ات في كل العالم، دائمًا ما يلعبون أدوارًا سلبية في تقليل تعاطف العالم مع القضايا، أو يشوهون صورتها ويُسيئون لها. فعزَّز هؤلاء البيئة غير السليمة في مواقع التواصل الاجتماعي. أمّا هذه الفئة التي تكتب بعنصرية ضد العنصرية، فسنجدها غير آبهة لجريمة قتل أي إنسان آخر وقف ضدها، أو انتقدها، أو انتمى إلى فئة أخرى سِوَاها. فالعنصرية مثل الكراهية وغيرها من الأفعال والسلوكيات السيئة، لا تُقابَل بمثلها، وتحتاج إلى إفهام وتقبُّل للآخر، ووعْيٍ بأن الله لا يميز إنسانًا عن غيره إلّا بصلاحه وتَقْواه.

أيضًا الإعلام العراقي الذي وقف بعضه ضد الاحتجاجات الأخيرة في البلاد، وضد حقوق الناس، صار من أبرز المدافعين عن حقوق أصحاب البشرة السمراء في أميركا، وصار ينتقد الانتهاكات التي ترتكبها القوات الأمنية الأميركية ضد المحتجين/ات، في وقت كان يوصَم فيه المحتجون/ات في العراق، بعبارات وكلمات تصل بعض الأحيان مرحلةً لاأخلاقية. إنّ وسائل الإعلام هذه، التي تُدافع عن أصحاب البشرة السمراء في أميركا، تخلو من أي مذيع ذي بشرة سمراء، ولم تُنادِ في تقاريرها المستمرة بحقوق أصحاب البشرة السمراء في العراق، ولم تتفاعل مع قضاياهم، منذ مقتل أبرز النُّشطاء السُّمر في العراق “جلال ذياب”، عام 2013.

هذه الانتقائية، أو مواجهة العنصرية بمثلها، لا يُمكن لها خَلْق بيئات سليمة، وحملات مدافِعة خالية من التوجهات الشخصية والسياسية؛ بل يُمكنها أن تُشكِّل إساءة لأصحاب القضية، ولِلمتعاطفين/ات الصادقين/ات معها.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive