الرجوع

نحو قانون مدني اختياري ضامن للتنوع

الخميس

م ٢٠٢٣/١٠/١٢ |

هـ ١٤٤٥/٠٣/٢٨

هدفَ اقتراحُ القانون المدني الموحد الملزم للأحوال الشخصية في لبنان إلى تحقيق العدالة والمساواة والمواطنة الكاملة، وتأكيد سيادة الدولة والتزامها مبادئ حقوق الإنسان، بحسب رأي القيِّمين على مقترح القانون.

لكن، وإن كانت قوانين الأحوال الشخصية الحالية المرتبطة بالطوائف الدينية لا يمكن أن تشمل من لا يرغبون في تصنيف أنفسهم ضمن هذه الطوائف، أو يرغبون في تطبيق قانون مدني للأحوال الشخصية، فإنَّ فرض قانون مدني ملزم للجميع قد يسبب الظلم في مكان آخر، للأشخاص الذين يريدون اتباع الخيارات الدينية بإرادتهم الحرة، وليس ذلك في موضوع عقد الزواج في محكمة روحية أو شرعية، بقدر ما هو في اللواحق المترتبة على الزواج. أيضًا فرضُ ذلك القانون قد يطرح السؤال بشأن مقاربةِ قانون ملزم للتنوع، والأسسِ والمعايير التي سيطبَّق على أساسها القانون في حال جرى إقراره.

على سبيل المثال: تنص المادة الثالثة من اقتراح القانون المدني الموحد الملزم للأحوال الشخصية على أنه: "يُعقَد الزواج أمام رئيس مأمور النفوس في القضاء الذي يقيم فيه أحد الزوجين بناءً على الاتفاق بينهما. كما يمكن القيام بالمراسم الدينية الاحتفالية بالزواج دون أن يكون لهذه المراسم أي مفاعيل على عقد الزواج، الذي هو العقد الرسمي الصادر عن وزارة الداخلية والبلديات". في هذه الحالة لا يقيد القانون الإلزامي الحقَّ في عقد زواج ديني، ولكنه يمنع من احتكام الزوجين إلى محكمة دينية، حتى ولو رغِبَا في ذلك بملء حريتهما على أساس إيماني عقائدي. بهذا المعنى، لا يحترم الجانب الإلزامي من القانون حرية الأفراد وخياراتهم الشخصية، مقدِّمًا نموذجًا لا يراعي التنوع الذي يتمتع به المجتمع اللبناني.

يمكن تقدير حسن النية في النضال من أجل تشريع قانون مماثل وإلزامي، حيث تكون صفة الإلزام فيه آتية من اعتقاد وجود ثغرات ونقص في قوانين الأحوال الشخصية الدينية؛ ما يسمح بوقوع ظلم على الأطفال والزوجات والأزواج. وبالحقيقة، هناك معاناة مزمنة في لبنان مِن جرَّاء الظلم الواقع بشكل خاص في مواضيع إحقاق المساواة في الإرث، والحق في الحضانة... إلخ، عبَّرت عنها شخصيات ومجموعات نسائية بشكل خاص، ورفعت الصوت في سبيل تحصيل الحقوق.

ولكن، لتحقيق الأهداف المرجوة لرفع الظلم، دون التعدي على حرية من يشاؤون التزام قانونِ أحوال شخصية دينيٍّ، يمكن أن يبقى القانون المدني موحدًا لاحترام خيارات الجميع، ولكن مع استمرار النضال الحقوقي والمطلبي في سبيل إدخال تعديلات ضرورية على قوانين الأحوال الشخصية الدينية، تواكب العصر ومتطلباته، وترفع الظلم عن أي جهة يقع عليها. إضافة إلى ذلك، لربما يجب أن يتحلى النضال الحقوقي أحيانًا بالواقعية، وهي التي تشير هنا إلى أن الوضع القائم في لبنان لجهة العلاقة بين الدين والسياسة، وارتباط كثير من النواب بمرجعيات دينية أو أحزاب مبنية على أساس طائفي، يجعل من غير الممكن عمليًّا التعويل على إقرار قانون أحوال مدني إلزامي، في حين أن قانونًا مدنيًّا اختياريًّا قد يملك فرصًا أفضل بكثير في مجلس النواب.

تأتي هذه المقاربة على أساس محاولة الجمع بين جانبين ضروريين: النضال الحقوقي، والنضال النسوي، في سبيل تشريع قوانين أكثر تحقيقًا للعدالة والمساواة، ولكن مع مراعاة التنوع الذي يتضمنه المجتمع بمختلف مشاربه الدينية والطائفية والإثنية والثقافية. 

سيكون الطريق صعبًا وطويلًا، قبل أن تصبح النساء اللبنانيات مواطنات كاملات الأهلية. والطريق صعب أيضًا إلى أن تصبح النساء شريكات كاملات داخل الأسرة، وتصبح مسؤولياتهن تشاركية. تبقى المراهنة على الضغط الذي يمكن أن تخلقه المجموعات، وعلى الناس الذين يرون أن مصالحهم باتت تصطدم بمفرزاتِ تَداخُلِ ما هو سياسي فيما هو طائفي.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

الكلمات الدليلية

إخترنا لكم

Alternate Text
جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive