الرجوع

نوبل لكل النساء

الأربعاء

م ٢٠١٨/١٠/١٠ |

هـ ١٤٤٠/٠١/٣٠

لم يكن أحد يتوقع أن يحصل عراقي/ة في هذه السنوات الفوضوية التي يعيشها العراق، على جائزة رفيعة مثل جائزة نوبل. فجاءت المفاجأة من الضحية العراقية "نادية مراد"، التي اختطفها تنظيم "داعش" عام 2014، من قضاء سنجار في محافظة نينوى، ومارس ضدها كلَّ أنواع العنف الجسدي والنفسي.

مراد التي صارت أول عراقيّة تحصل على هذه الجائزة، لم تعُدْ مجرد ضحية لتنظيم مثل تنظيم "داعش"، بل أضْحَت أمام مسؤولية كبيرة اليوم، لتُساعد الضحايا على التخلص من آلامهم ومعاناتهم، وتعمل أيضًا على منع حدوث ذلك. إنَّ ما تعرَّضَت له مراد وغيرها من الأيزيديّات، اللاتي خُطفن من قِبل التنظيم، قد لا يُمكن لأحد غيرهنّ وصفه، بَيْد أننا نستطيع القول إنهن تعرَّضن لجريمة بشعة، على يد أكبر عصابة في القرن الحادي والعشرين.

تكريم الضحايا معنويًّا أو ماديًّا لا يُزيح عنهم صُوَر ما تعرَّضوا له، ولا يُعيد لهم ما خسروه، لكنه تَضامُن من قِبل الناس والمجتمعات معهم. فالآلام لا نشعر بها نحن الذين سَلِمنا من جرائم كهذه، لكنَّ المُعنَّفِين يجب أن يشعروا بأن هناك مَن يتضامن ويقف معهم، وبأنهم ليسوا بِبَعيدين عنّا.

لغطٌ كبير أحدثه حصول نادية مراد على جائزة نوبل للسلام، أغلبُه كان يتعلَّق بانتمائها إلى الديانة الأيزيديّة، وكأنَّ بعضهم يعتقد أن كلَّ شيء يجب أن يكون لأكثر المجتمعات عددًا، حتى الجوائز. ومن جانب آخر يَخصُّ فرضيّات التمييز السلبي بين الضحايا، والتفضيل على أساس الانتماء القومي أو المذهبي أو الديني، اعتقدَت مجموعة من المشاركين على السوشيال ميديا، أو المتابعين في العالم الواقعي، أن هناك حالات مشابهة لحالة مراد، لكنها لم تحصل على الحدِّ الأدنى من التعاطف المحلِّي، فضْلًا عن الدُّوَلي. لذا، تَساءلوا: لماذا الناشطة الأيزيديّة فقط؟

لمّا كان من الصّعب نَزْع فكرة المؤامرة من عقول الكثيرين، حاول عدد ليس بالقليل، تصوير هدف الجائزة على أنه "مؤامرة" ضد الإسلام، وأنّ دُوَلًا غربية دفعت باتِّجاه حصول مراد على الجائزة، لإرسال رسالة إلى المجتمعات الأخرى، بأن هذه الأيزيديّة كانت ضحية مجتمع إسلامي!

عاد كثيرون لتَذكُّر الضحايا من النساء والفتيات العراقيات، خلال السنوات الماضية. وكُنت أتَّفق معهم على ضرورة تَذكُّرهنّ والتذكير بهِنّ، خاصة أن مبادئ حقوق الإنسان لا تُجزَّأ، ولا يُمكن أن تكون هناك عملية مفاضلة بين أيٍّ منهنّ، على اعتبار أنهنّ جميعهنّ ضحايا. إلّا أن قصة نادية مراد تختلف في الزمان والمكان عن بقية الحوادث التي ذُكرت، كما تختلف أيضًا من ناحية الجُناة. فربما ما تعرَّضت له الأُخرَيات قبل فترة وجود "داعش"، كان حالات فردية غير مُمَنهجة، أو قضايا محلِّيّة لم تتجاوز الحدود العراقية، مع أنها لا تقلّ بشاعةً وإنتهاكًا عما تعرّضت له مراد التي كان الجاني في حالتها أكبر تنظيم إرهابي، هدَّد العالم كله، وليس العراق فحسب. لذا وصل صوتها بشكلٍ أسرع إلى العالم الذي كان يُتابع جيدًا ما كان يحدث عندنا.

قد لا تكون الجوائز بعيدة عن التأثير السياسي أو التعاطف، لكنها في المحصِّلة ذهبت إلى الشخص الصحيح، لأنها وبكلِّ بساطة أظهرت للعالم شيئَين: تَعاطُف المجتمع الدُّوَلي مع ضحايا تنظيم "داعش" وبقية الجماعات الإرهابية، والتركيز والتحفيز على شجاعة النساء في كشف ما يتعرَّضن له من انتهاكات.

نجح ناشطون أيزيديُّون ومنظمات أيزيديّة، في الترويج لِما تعرَّضَت له النساء الأيزيديّات، اللاتي خُطف منهن أكثر من 3500 امرأة عام 2014. فكانت "نادية" هي الأيقونة التي سُوِّق لها بالطريقة الصحيحة، لإيصال معاناتها ومعاناة كلِّ النساء العراقيات إلى المجتمع الدولي.

لا ننسى أيضًا أن ضغط مراد على نفسها، لتَتجاوز كلَّ ما تعرَّضت له، والوقوف أمام ملايين الناس، والحديث داخل مجلس الأمن الدولي، يتطلَّب شجاعة قد لا يتمتع بها الجميع. ففي مجتمع شرقي مُحافظ مثل المجتمع العراقي، من الصعب أن تتحدث فتاة بما تعرَّضت له، خاصة بالاغتصاب. لكن الفتاة الأيزيديّة خلَقت لنفسها حافزاً، إلى دفع النساء باتِّجاه عدم السكوت، حتى لا يكُنَّ ضحايا للعُنف في أوقات السِّلم والحرب.

شخصيًّا، لا أرى أن ما حصلت عليه يخصُّها وحدها فقط، أو النساء الأيزيديّات بشكل خاص، أو حتى العراقيّات بشكل عامّ، بل يخصّ كلَّ نساء العالم اللاتي هُنّ ضحايا الحروب، وضحايا التعنيف الأُسَري والمجتمعي. فالجائزة الحقيقية هي عندما لا يَقِفْن مكتوفات الأيدي أمام من ينتهك حقوقهنّ، وأن يُعزِّزن هذه الجائزة بكشف أيِّ انتهاك يتعرَّضن له. فهُنَّ لَسْن شريكات فيه، بل ضحايا، ولا إثم على الضحية.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive