الرجوع

الإسلاميون والتعددية: بين النصوص والتطبيق

الأربعاء

م ٢٠١٧/٠٣/٠١ |

هـ ١٤٣٨/٠٦/٠٣

تحفل النصوص الدينية الإسلامية (القرآن الكريم، الأحاديث النبوية، أحاديث الأئمة والفقهاء، آراء العلماء وفتاويهم)، بالعديد من الاستشهادات التي تؤكد رفض إلزام الناس بدين محدد، أو رؤية فكرية معيّنة، أو اتِّباع فكرٍ ما بالقوة والفَرض، ومن الآيات القرآنية التي يُستشهد بها: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لاَ انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة البقرة: 256]، ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [سورة النحل: 125]، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ [سورة الروم: 22].

أمَّا على صعيد الأحاديث النبوية، وأحاديث الأئمة، وأقوال الفقهاء، وممارسة العلماء بشأن التعددية، وقبول الرأي الآخر، فهناك عشرات الأمثلة والشواهد على ذلك. ويكفي الإشارة إلى أنّ نشوء عشرات المذاهب الفكرية، والفقهية، والكلامية، في التاريخ الإسلامي، ووجود مئات أو آلاف المجتهدين والفقهاء من مختلف المذاهب، إضافة إلى بروز مئات الأحزاب والحركات الإسلامية - كلُّ ذلك يؤكد التنوع والتعددية في الإسلام، وعدم قدرة أحد على احتكار تمثيل الإسلام، أو الفكر الإسلامي لوحده. وحتى بالنسبة إلى الفقهاء والعلماء المجتهدين، فكلٌّ منهم يعتبر أنّ ما توصَّل إليه هو اجتهاد فقهي، أو فكري، قد يصيب الحقيقة، لكنه لا يؤكد أنّ ذلك هو الحقيقة النهائية. ولذلك، عندما يُصدر فقيهٌ فتوى، أو يتوصّل إلى اجتهاد ما، يختم ذلك بالقول الشهير: "والله أعلم".

وأمّا على صعيد الفرق، والأحزاب، والحركات الإسلامية، التي نشأت طوال التاريخ الإسلامي وحتى اليوم، فكلّ فرقة، أو حزب، أو حركة، يقدّمون أنفسهم على أنهم الطريق الأفضل نحو الوصول إلى تطبيق الإسلام، أو إلى الفهم الصحيح للإسلام. لكن، مع ذلك لا يستطيع أحد أن يدّعي بأنّه وصل إلى الحقيقة النهائية، وبأنّ الأسلوب الذي اعتمده هو الطريق الصحيح؛ لأنّ لكلّ بلدٍ، أو منطقة، أو مجتمع، ظرفًا خاصًّا، ويحتاج إلى أسلوب معيّن في العمل الإسلامي.

ومع أنّ هناك حديثًا تتبنّاه بعض الفرق الإسلامية، يحصر الحقيقة في فرقةٍ ناجية، وهو الحديث المنتشر: "ستفترق أُمّتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلّها في النار إلا واحدة"، فهذا الحديث لم يَثبت صحّته، وهناك أقوال تقول إنه حديث ضعيف، ويحتاج إلى البحث عنه في مقال خاصّ.

لكن، ما يمكن استخلاصه ممّا أشرنا إليه من الآيات القرآنية، أو التنوع الكبير لدى الفقهاء والمفكرين الإسلاميين، والأحزاب الإسلامية، أنّ التنوع، أو التعددية، هو السمة الأساسية في الفكر الإسلامي، ولقد حرصت معظم الأحزاب الإسلامية على تبنّي الدعوة إلى التعددية الفكرية، والسياسية، وعلى المطالبة بها في المجتمعات الإسلامية، والعربية.

وباستثناء بعض الأحزاب والتيّارات الإسلامية (كحزب التحرير، وبعض الاتجاهات السلفيّة المتشددة)، فإنّ معظم الأحزاب الإسلامية تبنّت الديمقراطية، وأعلنت الالتزام بها. وقد خاضت معظم هذه الحركات والأحزاب، الانتخابات الرئاسية، أو النيابيّة، أو البلدية، ونجح بعضها في الوصول إلى السلطة منفردًا، أو بالتعاون مع قوى وأحزاب أخرى علمانية، أو يساريّة، أو قوميّة.

لكن المشكلة الكبرى، هي أنّ بعض هذه الأحزاب والحركات، لا تستمر بالالتزام بالتعددية والديمقراطية والتنوع، عندما تصبح هي القوة الأساسية في البلد، الذي تنجح فيه في الوصول إلى السلطة؛ فيغيب التنوع والتعددية، ويتمّ استئصال القوى المعارضة، أو يتمّ تحجيم دورها، وتُمنع بعض الأحزاب من النشاط والتحرك. وباستثناء التجربة التونسية التي قدّمت فيها حركة النهضة الإسلامية نموذجًا مهمًّا، في القبول بالتنوع والتعددية، إن على مستوى الدستور، أو الممارسة، فإنّ معظم التجارب الإسلامية الأخرى، لم تقدّم التجربة الإسلامية الإيجابية.

ومن هنا، نختم بالقول: ليس من المهمّ، الدعوة إلى التعددية، والتنوع، والديمقراطية، بل المهمّ هو الالتزام بها بشكل كامل، وخصوصًا عندما ينجح الحزب الإسلامي، أو الحركة الإسلامية، في الإمساك بالسلطة، في البلد الذي ينشط فيه. ونختم بالآيتين الكريمتين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ(3) ﴾ [سورة الصف].

* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع تعددية *

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive