الرجوع

النِسوية قضية رجالية أيضًا

الأربعاء

م ٢٠٢٠/٠٢/٢٦ |

هـ ١٤٤١/٠٧/٠٣

مع تَطوُّر النضال النِّسوي في السنوات الأخيرة، وتَوافُر مَنابر يمتلكها أفراد على مواقع التواصل الاجتماعي، بعيدًا عن سيطرة وسائل الإعلام التقليدية في بلادنا، التي غالبًا ما تكُون حكومية أو موجَّهة؛ تعزَّزَت معرفة القيم والممارسات الواجبة والأخلاقية المختصة بالقضية النِّسوية ونضالها، انطلاقًا من هذه المنابر الخاصة. فتَجري الإضاءة على التحرُّش بالنساء وإدانته، وتوضيح ما يعنيه للمرأة من انتهاك وجرح نفسي، وأيضًا التَّوعية بالممارسات الذُّكورية التي تتسلط على المرأة في مجالات مختلفة، مُمارِسةً الاستقواءَ عليها والتمييز السلبيَّ بحقِّها، سواءٌ في العلاقة الزوجية، أو في علاقات العمل على صعيد الحقوق والواجبات، أو في التَّرقِّي الوظيفي، أو في الراتب، أو في الاعتراف بالإنجاز والفاعلية وعدم تجْيِيرهما للرجال... إلخ.

تتمثل الذُّكورية من بين ما تتمثل به بالنظرة الفَوقيَّة إلى المرأة، ونَزْع بعضٍ من صفاتها الإنسانية. فتتحوَّل المرأة إلى شيء أو أداة، لا يَتساوى في الجوهر ولا في الظاهر مع الرجل، الذي يعتقد في نفسه أنه خُلِق مُفضَّلًا عليها، ووصيًّا عليها، ولا يمْكن لها أن تعيش من دونه.

ولا ينبغي هنا تناسي أن النظر إلى المرأة كشيء أو أداة، يتعلق بشكلٍ مباشر بنظرة الرجل إلى نفسه، ما يستتبع ضرورة تصحيح هذه النظرة.

يُفْضي هذا إلى استسهال –بل إلى تبرير- التمييز السلبي بحقِّ المرأة، وسلْبِها حرِّيَّتَها، والتحرُّش بها، وتعنيفها، وُصولًا إلى اغتصابها أو قتلها. والحوادث المماثلة التي ظهرَت على شاشات الأخبار في عالَمنا العربي، على نحو متكرِّر خلال العام المنصرم، أكبرُ دليل على حقيقة هذه العقلية شديدة الخطر.

تزداد الذكورية سُوءًا عندما تُبرَّر بتفاسير لنصوص وتعاليم دينية، يمْكن العثور على آثار لها في الديانات الإبراهيمية وغيرها. فيُمسي الفعل الذكوري المتسلِّط على المرأة فِعلًا ذو دوافع دينية، يمارَس بأمر إلهيٍّ. وعليه، يَبنِي العقلُ الذكوري فهْمَه على تفسير ديني مغلوط، أو منقوص.

على الرَّغم من ظهور بعض النسويات المتطرفات، اللواتي وُصفن بأنهنّ "كارهات للرجال"، وأيضًا على رَغْم وجود بعض النساء "الذكوريات"، أي اللَّوَاتي يرفضن نيل المرأة حقوقها، ويؤيِّدْنَ الممارسات الذكورية؛ فإنَّ ذلك لا يقلِّل من أحقِّيَّة النِّضال النِّسوي وصواب قضيَّته، وضرورة استمراره، ووصوله إلى أهدافه التي لا بد أن تتحقق. ولكن، كثيرًا ما يجري تلَقِّي هذه القضية وفهْمُها، على اعتبار أنها قضية نسائية فقط. وهذا يتجاهل البُعدَ الإنساني للموضوع، وأنَّ القضية النِّسوية مع أنها تعني النساء بالدرجة الأولى، إلَّا أنها تَعني كلَّ إنسان، ومِن ثَمَّ كلّ الرجال. وليس ذلك كمُمارسين للذكورية فقط، بل أيضًا كمناضلين في سبيل حقوق المرأة المساوية للرجل والتي لا تنقص عن حقوق الرجل.

هذا القول لا يعني أو يقصد "سرقة" القضية النِّسوية من صاحباتها الأصليَّات، بل الإضاءة على أن القضية النِّسوية تَعني الرجال أيضًا ويجب أن تعنيهم، ليس باعتبار كثيرين منهم أنَّهم من أصحاب الممارسات الذكورية فقط، بل باعتبار أنَّ رجالًا آخرين كثيرين، يَبذلون ما في وُسْعهم بإصرارٍ يَوميّ على تجنُّب الممارسات الذكورية، التي قد يكُون المجتمع قد نشَّأهم عليها، وعلى التَّوعية بخطَئِها. وقد تكُون تلك الممارسات الذُّكورية وصلَت إليهم بالتَّواتُر دون سوء نيَّة مقصود، مقتنِعين بأن النِّسوية قضية مُحِقَّة ومُلِحَّة، وأنَّ المرأة المُمَكَّنة المساوية للرجل أو المتفوِّقة عليه، هي شريكةٌ للرجل، لا تهديدٌ له أو خطرٌ عليه، سواءٌ في البيئة العائلية أم في بيئة العمل.

إنِ اعتَبر الرَّجُل نفسه من هذا الصنف الأخير من الرجال، بعيدًا عن الذكورية، أو كان مُقتنِعًا بصدقٍ بمساواة المرأة له دون مِنَّة، فعليه أن يَفهم حذر المرأة منه، مثلًا: عند أوَّل تَعارُف بينهما، أو عند اللقاء صُدفةً في مَصعد، أو في شارع جانبي، أو في موقف سيارات ليلًا، أو في مكتب العمل... إلخ فهذا سُلوك دفاعيّ حَذِرٌ مَشروعٌ، بعد قُرون من سيطرة الذكور وممارسة التحرش وانتهاك حقوق النساء على كل الصُّعُد.

هذا الحذر والنظر إليه كرجل على أنه تهديد محتمل، يجب ألَّا يُشْعره بأنه مظلوم بوضعه في هذا الخانة؛ وإنّما قد يكُون تذكيرًا وتنبيهًا للرَّجُل، على أنّ هذا التصنيف الأوَّليّ ما هو إلَّا نتيجة انتهاكات عميقة ومستمرَّة، مارَسها ذُكورٌ مِثله بحقِّ النساء.

لذلك، فالنِّضال النِّسوي في سبيل تشجيع الوقوف في وجه هذا الصنف من الرجال وممارساتهم، والتوعية بحقوق المرأة، وبَشاعة ما يمارَس بحقِّها، هو نضاله ونضالي أنا أيضًا بصفتِي رجلًا، نضالٌ شخصي في سبيل حقوق المرأة، وتصحيح نظرة الرجل إلى نفسه.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive