الرجوع

المرأة المصرية بين الولاية والمواطنة

الثلاثاء

م ٢٠٢١/٠٤/٠٦ |

هـ ١٤٤٢/٠٨/٢٤

في الأيام الماضية، تَصدَّر هاشتاغ #الولاية_حقي مواقعَ التواصل الاجتماعي في مصر، حيث دشَّنَته مؤسَّسة "المرأة والذاكرة"، بوصفه نوعًا من أنواع الاعتراض على مسَوَّدة قانون الأحوال الشخصية الجديدة، التي لم تأتِ بتعديلات تُصحِّح من الوضع المُزْري الحالي للمرأة في مصر، بل وأضافت إليه كوارث.

هاشتاغ "الولاية حقي" تَناول قضية حقوق الأمهات المُعيلات، واللاتي يَحرمهنَّ القانونُ الحالي أشياءَ كثيرة جدًّا، مثل حق الولاية التعليمية، وهي: "حق تمثيل الطفل وإدارة شؤونه التعليمية قبل بلوغ 15عامًا"، كما هو حال الأب الذي له وحده –عند تطليقه زوجته-، الحقُّ في تسجيل أولاده في المدرسة، أو التصرف في أي شأن يخص أوراقهم التعليمية القانونية -كما في السفر أيضًا-. أمّا الأم، فليس لها الحق في الموافقة أو المنع لسفر أطفالها، على عكس الأب الذي يحصل على هذا الحق أوتوماتيكيًّا، بدون الحاجة إلى اللجوء إلى توثيقه أو طلبه في المحكمة.

لكن الهاشتاغ تطرَّق أيضًا إلى أمور أخرى تتعلق بالولاية، مثل تزويج المرأة نفسها، والذي يكفله ويمنحه للمرأة الراشدة أحدُ مذاهب الشريعة الإسلامية، التي تُعد المصدر الرئيسي للتشريع. لكن تزويج المرأة نفسها غير موجود في مصر إلى الآن، ويُسمح به للمرأة التي سبق لها الزواج من قبل. وأيضًا حُرمَت المرأة حقَّ الحصول على الخدمة الطبية في العمليات التي تتعلق بالرحم والإجهاض إلا بموافقة زوجها، وحقَّ تسجيل أطفالها بنفسها في السجل المدني، وغير ذلك.

كل ذلك طُرح عبْر الهاشتاغ. ولكن، جاءت المسَوَّدة الجديدة بمقترحات لتعديلات في غاية الظلم. فمثلًا: المسوَّدة الجديدة تعطي أيَّ رجل في الأسرة حقَّ فسخ عقد الزواج قبل إتمام الزيجة بدون الرجوع إلى العروس، ولم تتطرق المسودة إلى أي تعديلات خاصة بولاية الأم على أطفالها، بل أعادت ترتيب أفضلية الرجل في حق حضانة الأطفال، جاعلةً إياه في المرتبة الرابعة؛ ما حَرم الأمَّ حضانةَ أطفالها في حالة زواجها إلى الأبد، بعد أن كانت الفرصة سانحة لها مِن قبْل، وذلك على العكس في حالة الرجل، إذ حضانته لا تسقط بزواجه أبدًا.

كل ذلك طرَحَته سيدات عانَيْنَ قانون الأحوال الشخصية في مصر، عبْر هاشتاغ "الولاية حقي"، والذي أعلنَّ فيه بصوت عالٍ أنهنَّ يعامَلْنَ بوصفهنَّ مواطنات درجةً ثانية، أو فاقدات الأهلية في نظر الدولة. الهاشتاغ حصل على تفاعل كبير من جميع التيارات النسوية في مصر، بل ومن السيدات غير الناشطات في مجال حقوق المرأة أيضًا، واللاتي يعانين آثار هذه القوانين المجحفة. ولكن السؤال هنا: "هل الولاية فقط هي ما تنقص المرأة حقًّا للعيش بكرامة وحرية؟". 

للإجابة عن هذا السؤال يجب علينا تعريف الولاية دينيًّا، فهي -في الإسلام الذي هو: "مصدر التشريع الرئيسي لقانون الأحوال الشخصية في مصر"-، وبحسب مراجع وعلماء مختلفين، حقُّ الرجل في التصرف أو القيام على شؤون المرأة إن كانت زوجته أو ابنته أو أخته. ومع استدلال المشرِّع على الغرض من حق الولاية للرجل، بأنَّ ذلك يعود لاختلاف طبيعة الرجل عن المرأة، التي هي عاطفية أكثر من الرجل الذي يستطيع التحكم في عاطفته وانفعالاته، وبأنَّ للرجل الأفضلية في التكوين من حيث الذكاء والقدرات البدنية –حسب ما يزعم بعض الشيوخ والمفسرين-.

ولكن "أليس هناك تعبيرٌ أنسب لاستخدامه في المطالبة بتحسين أوضاع المرأة في مصر وتغييرها؟".

ولاية أمْ مواطنة؟ في بداية نشر الهاشتاغ كان الحديث يدور حول حق ولاية الأم على أطفالها. ولكن كما رأينا، المصطلح نفسه يفتح أبوابًا واسعة من الإشكاليات والأزمات التي تتعرض لها المرأة كل يوم، بسبب تفضيل القوانين للرجل على المرأة تحت شعار القِوامة للرجل، والتي تعزز مفهوم أن المرأة مواطنة درجة ثانية، وأن الدرجة الأولى التي تحمل امتيازات كثيرة بسبب النوع الاجتماعي، يختص بها الرجل. لذلك، فقد قامت بعض النسويات بطرح هاشتاغ جديد داعم للأول #من_أجل_مواطنة_كاملة_للنساء. وهنا يتجلى المعنى الأهم الذي تحتاج إليه النساء في مصر، بحُكم المعاهدات والاتفاقيات الدولية الموقِّعة عليها مصر، وأهمها: الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واتفاقية "السيداو"، والتي تستوجب إقرار مبدأ المساواة الكاملة بين المواطنين. 

وهنا نستطيع أن نسرد الكثير من المجالات، التي قد يطرحها مصطلح مواطنة كاملة للنساء، مثل: المجال التعليمي، والتفرقة الحاصلة بين الشباب والفتيات مجتمعيًّا، والمجال الاقتصادي، والتفاوت الكبير في الأجور، والعمالة غير المدفوعة في الريف مثلًا؛ والمجال القانوني كما في قوانين العقوبات والأحوال الشخصية، التي تفرِّق بين المواطنين حسب النوع الاجتماعي حتى في جرائم الزنا، حيث ينص القانون مثلًا على سجن الرجل 6 شهور فقط، وثبوت التهمة ليس لها شروط، على عكس المرأة التي تتحمل حكم عامين دونما حاجة إلى شهود أو شروط معينة، أو كما سردنا بعض النقاط في قانون الأحوال الشخصية؛ أو في المجال الطبي الذي يشمل الختان وحق الإجهاض والرعاية الطبية دون موافقة وليٍّ، كما حصل مع بعض السيدات اللاتي ذكرن شهادتهن على الهاشتاغ. 

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive