الرجوع

حقوق الإنسان وحقوق المرأة

الإثنين

م ٢٠٢١/٠٩/٠٦ |

هـ ١٤٤٣/٠١/٢٩

"حقوق الإنسان لا تُختزل بحقوق المرأة"، بهذه الجملة بدأ أحد المغرّدين سلسلة تغريدات داعمة ومؤيّدة، بل وفرحة باستلام طالبان الحكم في أفغانستان. لقد رأى صاحب التغريدة -الذي يعتقد أنّه من محبّي الحرّيّة والحالمين بها- أنّ حقوق 50% من الشعب، ليست بالأهمّيّة التي يروّجها دعاة حقوق المرأة، بل إنّه ذهب أبعد من هذا، ليتّهم كل شخص لم يهلّل لحكم طالبان بأنّه مُحبّ للاحتلال الأميركيّ وراغب فيه. 

وهذا ما أكَّده مُغرّد آخر اتَّهم كلّ الأفغان الذين يحاولون الفرار من حكم طالبان بأنّهم عملاء لأميركا، في ظُلم متعمَّد لقطاع كبير من الشعب الأفغانيّ الذي عانى الأمرّين خلال عقود، سواء من الاحتلال الأجنبيّ أو من الجماعات المسلّحة التي تَحكم بِاسم الدين. ذلك الشعب لم يقترف ذنبًا سوى أنّه رغب في أن يحيا حياة آدميّة، بعيدًا عن الدماء والحروب والقمع.

من الغريب أن تُهلّل أعداد ليست بالقليلة من الشعوب العربيّة للحكم الدينيّ في بلد ما، وهم أنفسهم ذاقوا ويلاته في بلاد أخرى، أو على الأقلّ شاهدوا بأمّ أعينهم نتائجه في دول مجاورة. والأكثرُ غرابةً أن يهلّل الشخص لحكم دينيّ في بلد ما، ثم يسعى بكلّ ما أوتي من وسائل للهجرة إلى بلد علمانيّ تَحكمه قوانين حقوق الإنسان واحترام الحرّيّات، ولا أجد تفسيرًا لحالة هؤلاء الناس سوى أنّهم يعانون الازدواجيّة الحادّة. فهم من جهة لا يتمنّون ولا يرغبون في العيش تحت حكم دينيّ، لكنّهم من جهة أخرى يهلّلون له، ولا يأبهون بغيرهم ممّن يعانون تحت وطأته.

هذه الازدواجيّة ليست جديدة أو بعيدة عن مجتمعاتنا، بل يا للأسف هي سمة من سماتها، ونجدها بشدّة في استطلاع الآراء تجاه قضايا اجتماعيّة شتّى. فمثلًا: القسوة في الأحكام على كلّ مخطئ، والتعليقات الجارحة، وعدم مراعاة نفسيّة الآخرين، كلّها مشاكل يمكن أن تُحلّ إذا ما وضَع أحدنا/إحدانا نفسه مكان الآخر. هي الازدواجيّة نفسها التي نراها، عندما يهلّل أحدهم لحكم دينيّ في بلد ما في تغريدة، وهو نفسه الذي كتب تغريدة قبل يومين يفخر فيها بابنته التي تخرّجت في جامعة غربيّة عريقة. هو يريد لابنته أن تحيا وتنجح وتعمل، ولكنّه لا يأبه بنساء الأرض كلّهنَّ، إنْ جرت معاقبتهنّ بالجلوس في البيوت والمنع من العمل.  

أيضًا هناك فئة في المجتمع تنظر إلى أيّ قضيّة من منظور جماعيّ، حيث حياة الأفراد ليست مهمّة أمام الجماعة. بالنسبة إلى هؤلاء، الحرّيّات الشخصيّة كلّها غير مهمّة في سبيل المصلحة العامّة، التي هي رفعة الدين وعلوّ شأنه. إنه تفكيرٌ رجعيّ لم يعُد يصلح في هذا الزمن، الذي لا تُبنى فيه أمّة على قوّة أجسام أبنائها وأعدادهم وقدرتهم الجسديّة على حمل السيف والقتال به، بل تُبنى على عقول أبنائها وكفاءتهم(نّ) وقدرتهم(نّ) على الابتكار والإبداع الذي لا تَحدُّه قيود أو عوائق... بِناء الأمَّة يأتي نتيجة لبناء الإنسان أوّلًا.

مسكين هذا الذي يعتقد أنّ المرأة وحدها مَن ستدفع الثمن نتيجة أيّ حكم دينيّ. لطالما استُخدم الدين للسيطرة على الناس، وكان سلاحًا فعّالًا في يد الحكومات الاستبداديّة لقمع كلّ مخالف. ثم إنَّ الحرّيّات بعضُها مرتبط ببعض ارتباطًا وثيقًا، ولا يمكن فصل حرّيّة المرأة عن حرّيّة التعبير والفكر والحرّيّات الشخصيّة، وما المرأة إلّا مفتاح يُستخدم لغلق باب يأتي بالأعاصير للحكومات الاستبداديّة. مِن مصلحة هذه الحكومات أن يظلّ الشعب خائفًا مرعوبًا من الحرّيّة. فهي من جهة، تَستغلّ كلّ صوت مُعارِض له أفكار مغايرة لعامّة الناس بتخويف الناس على دينهم، حيث تَنشر بينهم الخوف من المؤامرات الأجنبيّة والأصابع الخفيّة، التي تريد أن تقضي على دينهم، وتَنشر الإلحاد في صفوف أبنائهم. تخترع هذه الحكومات عدوًّا خفيًّا يعمل ضدّ الدين، وتحشد الناس ضدّ هذا العدوّ الخفيّ، وتضمن ولاءهم رعبًا من البطش بهم من جهة، وخوفًا على الدين من جهة ثانية. 

أيضًا تَستخدم الحكومات سلاح التخويف هذا، لإلهاء الناس عن القضايا المهمّة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة. فتجد الشعوب في هذه الدول منشغلة بقضيّة لبس المرأة، أكثر من انشغالها بالتعليم والصحّة والقطاعات الأخرى المتدهورة. أمَّا تلك الحكومات، فتَصنع انتصارات وهميّة في كلّ مرّة تقمع فيها النساء والمعارضين. فيهلّل لها العامّة عن جهل، في حين تستمرّ دائرة الفقر والجهل، وما يترتّب عليها من أجيال مظلومة وظالمة في آنٍ معًا.

أتفهَّمُ أهمّيّة انتهاء الاحتلال الأجنبيّ لأيّ بلد كان. لكنْ، ما مررنا به من تجارب في عشر سنوات ماضية، كان كفيلًا بجعلنا ندرك أنّ عدوّ أيّ وطن ليس المحتلّ الأجنبيّ فقط، بل عدوّ الحرّيّات هو عدوّ الوطن أيضًا، خصوصًا العدوّ الذي يقمع بِاسم الدين. فلا ينفع معه نقاش على الصعيد الإنسانيّ، لأنّه يعتقد أنّ أوامره تأتي من الله. ولا أجد فرقًا بين مَن يحتلّ الأرض وينهب الخيرات، ومَن يحتلّ العقول ويسرق الأعمار وينهب الخيرات أيضًا.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive