الرجوع

يوم المرأة العالمي.. أين وصلنا؟

الخميس

م ٢٠٢٣/٠٣/٠٩ |

هـ ١٤٤٤/٠٨/١٧

أعدتُ قراءة مقالات سابقة لي كتبتُها في يوم المرأة العالمي، وشعرت بغصة؛ إذ إن ما كنت أنادي به منذ سنوات لم يتغير. فالعنف ضد المرأة لم يتوقف، وجرائم "اللاشرف" ما زالت تحصد أرواح الفتيات، بل إن نوعًا جديدًا من العنف ازداد في السنوات الأخيرة، مثل: القتل بسبب الرفض. فقد رأينا فتاة جامعية تذبح في الشارع على يد شاب رفضته، ونفس الدافع تَكرر في جرائم أخرى في مصر ولبنان والأردن. وأيضًا شهدنا تعاطفًا ذكوريًّا مع القتلة أحيانًا، وتبريرات تحاول لوم الفتيات على ما تعرضن له. أما بشأن جرائم الاغتصاب والتحرش، فقد شهدت الفترة الماضية أحكامًا وتهمًا بحقِّ مشاهير عرب، وقد سقط في وحل الدفاع عنهم مجموعة من الفنانين، وما زال الجدال مشتعلًا بين المدافعين عن المشاهير والرافضين لأي تعاطف في قضية تمسُّ مشاعر المُغتصبات. 

المطالَبات الحقوقية بإعطاء أبناء المرأة جنسيتها لم تُؤْتِ أُكُلَها بعد، إذ ما زالت النساء محروماتٍ هذا الحقَّ في الكثير من الدول العربية. وإن كانت المطالبات أدت إلى تحسين أوضاع أبناء المواطنات، بإعطائهم بعض حقوقهم في التعليم والعمل (كما في الأردن مثلًا)، فإن هذه الميزات بعيدة جدًّا عن مطالب المرأة بالمساواة الكاملة المُحقَّة بينها وبين الرجل، في حقها في منح أبنائها الجنسية، بصفتها مواطنة كاملة الأهلية. ومن المستغرب ألا تشعر مواطنة أردنية بالإهانة عندما تُحْرَم إعطاء زوجها غير الأردني وأبنائها جنسيتها الأردنية، في حين تتمتع زوجة الأردني الأجنبية وأبناؤهما بكل حقوق المواطنة والجنسية.

لم تتغير قوانين الأحوال الشخصية الظالمة، ولم تنصف تلك القوانين المرأة في الإرث أو في حالات الطلاق أو وفاة الزوج. أما زواج القاصرات فما زال موجودًا ومدعومًا من قبل فئة ترفض تجريمه لأسباب دينية، ليستمر الصراع بين من ينادي بحياة مدنية تراعي تغيير ظروف الحياة، واختلاف توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة، وطبيعة الأسرة "النواة"، واختفاء دور الأسر الممتدة في التربية والإعالة؛ ومَن يصر على جمود تفاسير النصوص الدينية وطريقة فهمها، ويرفض أنسنة هذه التفاسير بما يتواءَم مع العصر. 

من المستهجن أن تُعامَل المرأة كنصف مواطن، عندما يتعلق الأمر بقوانين الأحوال الشخصية والجنسية، في الوقت الذي تُعامَل فيه باعتبارها مواطنًا كاملًا في الواجبات، فيُطلب منها دفع نفس الضرائب مثلًا، وإيقاع نفس العقوبات عليها في حالة ارتكابها جنحة أو جناية. فكيف لا تنظر المرأة بغضب لوجود هذه الازدواجية والتمييز؟ وكيف لا تصبح نِسوية؟

في كتابها "علينا جميعًا أن نصبح نِسويِّين"، أوردَت النيجيرية "تشيمامندا نغوزي أديتشي" أسبابًا جعلتها تصبح نسوية، وذكرت أنها في طفولتها أرادت أن تصبح عريفة للصف، في الوقت الذي كان من المعتاد أن يكون فيه العريف ذَكرًا. لم تيأس الطفلة، وخاضت امتحانًا مخصصًا لاختيار العريف، وحصلت على المركز الأول، إلا انها فوجئَتْ بقرار المعلمة باختيار صاحب المركز الثاني للمنصب. فكبُرت وهي تظن أنه ليس من حقها أن تطمح إلى منصب، وإن كانت أكثر كفاءة، لمجرد أنها أتت إلى الدنيا أنثى.

ما حصل مع النيجيرية النسوية، حصل مع الكثير من النساء. وفكرة أن يتميز الذكر عن الأنثى بحقوق بسبب جنسه، لم تعد مقبولة، خصوصًا بعد أن تجاوزت المرأة عقبات المجتمع، وأثبتت جدارة، حتى قبل أن تحظى بكامل حقوقها، جوابًا على هؤلاء المتذرعين بالجدارة للسماح بمنح المرأة حقوقها، واستطاعت في دول شتى أن تقود دولًا إلى الازدهار بحكمة ورصانة. ثم إن المرأة العربية ليست بأقلَّ شأنًا أو مكانة.

تتحدث النيجرية عن لقب "نسوية"، الذي يساء فهمه. فبعضهم يصف المرأة النسوية بأنها تكره الرجال، أو تسعى لسيطرة المرأة عليه، أو لهدم الأسرة. وهذه التعريفات تعانيها اليوم كل امرأة تطالب بحقوق النساء، ورفع الظلم، وتحقيق العدالة والمساوة، في حين النسوية هي تعريف عام لكل من يؤمن بأن هناك تمييزًا ظالمًا بين الرجال والنساء، وبأن علينا أن نعمل كل ما نستطيع لإقرار المساواة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الجنسين.

في يوم المرأة العالمي، وعلى الرغم من بطء التقدم، فإن ثمة بوادر تغيير لا يمكن لمراقب أن يتجاهلها. فصوت المرأة اليوم أصبح أعلى من أي وقت مضى، والتضامن النسوي دخل مرحلة جديدة من التفاعل، ثم إن أصوات الرجال المتضامنين مع النساء والداعمين للمساواة كثرت، خصوصًا وأنها تقترن بثقافة عالية عند أصحابها، ومكانة علمية أو اجتماعية مرموقة؛ ما يجعل تأثيرها في محيطها كبيرًا.

في يوم المرأة العالمي، نتعهد بمواصلة العمل لرفع الظلم عن المرأة، ومعنا الرجال المؤمنون بأن المساواة هي الطريق الوحيد إلى العدالة والحرية.

في يوم المرأة العالمي، نقر أن حرية المرأة جزء لا يتجزأ من حرية الشعوب، وأن العمل النسوي لطالما اقترن بالمطالبة بالعدالة الاجتماعية للجنسين، ورفض الاستبداد، وانتهاء الاحتلال، وكل حقوق الإنسان التي أقرتها المواثيق الدولية.

فكلَّ عام، وكل امرأة، وكل رجل، في حرية.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive