الرجوع

ماذا نفعل للسوريين؟

الأربعاء

م ٢٠٢٣/٠٢/٠٨ |

هـ ١٤٤٤/٠٧/١٨

صحونا قبل أيام على واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي عاصرناها في حياتنا. زلزال مدمر تَركز تأثيره في تركيا وشمال سوريا. دقائق معدودة سُوّيت خلالها الأبنية بالأرض، وأطفال تحت الأنقاض، وأناس يصرخون في الشوارع بحثًا عن أهلهم، ونساء ورجال محاصرون خلف الحجارة والحديد، وبكاء وعويل، وخوف وبرد.

لا شك أن قلوبنا توزعت بين البلدين خوفًا على الأبرياء، لكننا كشعوب عربية لا نستطيع أن نخفي أن ألمنا تجاه الشعب السوري سواء في سوريا أو في تركيا أوجع قلوبنا. فتركيا دولة قوية، بدأ حلفاؤها وأصدقاؤها بإرسال المساعدات التقنية والطبية منذ الساعات الأولى للكارثة، أما الشمال السوري فهو منسي، وحسابات السياسة تمنع عن أبنائه المساعدة. لقد تكالبت النكبات على الشعب السوري  منذ عشر سنوات، حرب وقصف وتهجير. السوري الذي بدأ رحلة هروبه من الموت قبل عشر سنوات، وجد نفسه في مواجهة الموت القادم من باطن الأرض هذه المرة. صفحات التواصل امتلأت بمنشورات الأصدقاء السوريين الذين يبحثون عن أحبتهم تحت الركام، أما المهجرون إلى أوروبا وكندا فكانوا يصرخون طمعًا في معلومة عن أحبة فقدوا الاتصال بهم منذ وقوع الكارثة. لم تمض ساعات حتى أعلن الواحد منهم تلو الآخر وفاة عزيز يخصه، وهناك من أعلن وفاة عوائل كاملة. ومع كل خبر كانت قلوبنا تعتصر ألمًا ونحن في قمة العجز.

في الوقت الذي بدأت فيه التحركات لجمع التبرعات، والتساؤل عن طرقها المضمونة، وجد بعضُ الناس الذين  فقدوا الإحساس بالإنسانية تجاه ما حصل، فرصة لترهيب الناس والسيطرة عليهم. فانتشرت تغريدات عن عقاب الله  وغضبه،  واضعة أغلب كثيرين في صدمة. يتقوَّلون على الله، ويتحدثون باسمه، ويفسرون الظواهر الطبيعية المثبتة علميًّا بتفسيرات غيبية يحاولون فيها تحقيق مصالح، وإن بدت في كل مرة بعيدة كل البعد عن المنطق السليم، وعن صفات الله التي تتجلى في العدالة والرحمة.

أحاول أن أتخيل شعور أم ثَكْلى، أو أب فقد عائلته، وهو يقرأ أن ما حصل كان بسبب ذنوبه، أو أن ما حصل كان  غضبًا من الله على البشرية حل به من دون الناس، وهو الذي عانى التهجير والتفقير والعنصرية وفقدان الأحبة. أتخيل إحساسه وهناك من يتهمه بأنه السبب بمآسيه، وأن معاصيه هي التي زلزلت الأرض تحت أقدامه. أستغرب أن يستطيع الإنسان أن يؤذي أخاه الإنسان هذه الأذية.

ليست المرة الأولى التي نسمع فيها كلامًا عن الغيبيات، يحاول تفسير الظواهر الطبيعية. فقَبْلها سمعنا كلامًا عن انحباس المطر، وإرجاع ذلك لذنوب المواطنين، علمًا أن علماء المناخ يخرجون كل يوم ليخبروا الناس بنتائج الاحتباس الحراري وأثره في تغيير المناخ. بلاد لم تكن لها حظوظ وفيرة في المطر، هطلت فيها أمطار وثلوج تجاوزت كل توقع. ودول أخرى تأخر فيها المطر، وهي المعروفة بمناخها الماطر شتاء. ثم إنْ كان معتقد الإنسان يعطيه تفسيرات أخرى، فيجب أن يعرف كيف يتكلم عنها ومتى، وكيف تؤثر نفسيًّا في مشاعر الناس.  

ما المطلوب منا إنسانيًّا عند حصول كارثة طبيعية كالتي حصلت في سوريا وتركيا؟ أولًا أن نهُبَّ إلى المساعدة بكل ما أوتينا من قوة، فنبحث عن جهات مضمونة لإرسال المساعدات إلى المنكوبين، ثم نكتب عن هذه الجهات ونشجع الآخرين على المساعدة. منكوبو الزلزال يحتاجون إلى كل شيء. فالتبرع بالدم ضروري، وأيضًا إرسال الملابس الصوفية الدافئة، والأغطية الثقيلة. وتأمين البيوت المتنقلة في هذا الجو الشديد البرودة لا يقل أهمية عن إرسال الغذاء والدواء. الأمور التي يمكن لكل شخص فعلها كثيرة، كالحديث بكثرة عن معاناة الناس الذين يلتحفون السماء في هذا الجو القارس، والضغط على الجهات المختلفة لمساعدتهم. هذا هو الدور الإيجابي المأمول من كل إنسان قادر على المساعدة. وأيضًا التخفيف عن المصابين بالتعاطف معهم ودعمهم النفسي والمعنوي، حيث نُظهر لهم مشاعرنا النبيلة التي تساعدهم على تجاوز المحنة، كل بحسب قناعاته ومعتقداته، سواء بالصلاة كان أو بالدعاء. 

أما التقوّل على الله، ومحاولة اجترار الحِكَم باستخدام الغيبيات، وتحقيق مكاسب سياسية أو أيديولوجية، فهو عمل وضيع غير إنساني، وهو لا يسيء للضحايا وأهلهم فقط، بل يسيء للشخص الذي يحاول استغلال كارثتهم لإثبات وجهة نظره، التي لا تخضع لا لمنطق ولا لأخلاق. مؤسف أن نضطر إلى توضيح بديهيات كهذه، عند وجود كارثة تحتاج إلى كل طاقة للمساعدة، بدلًا من المناكفة، والجدال البعيد عن العقل والحكمة.

أعان الله السوريين والأتراك على تجاوز هذه المحنة الصعبة.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive