الرجوع

دراما رمضان وقضايا العنف ضد المرأة

الخميس

م ٢٠٢١/٠٩/٠٢ |

هـ ١٤٤٣/٠١/٢٥

قدَّمت الدراما المصرية في رمضان 2021 جرعة كبيرة من المسلسلات التي أثارت السوشيال ميديا، وفتحت نقاشات واسعة حول قضايا المرأة والعنف ضدها. ومع أن هناك بعض المسلسلات التي استخدمت هذا النهج، فإنّ هناك مسلسلات أخرى طرحت بعض القضايا المهمة، مثل مسلسل "لعبة نيوتن"، الذي ناقش قضايا شائكة مثل الطلاق الشفوي والاغتصاب الزوجي وتعدد الزوجات. 

أما مسلسل "خلِّي بالك من زيزي" فقد طرح قضية "بيت الطاعة" واستخدامه لمساومة المرأة المصرية على حقوقها. وبيت الطاعة معروف في القانون المصري (المادة 6 مكرَّرًا ثانيًا من القانون رقم 44 لسنة 1979)، أنه: "بلاغ يتم به إثبات نشوز المرأة لإسقاط حقوقها المادية كالنفقة"، ويستخدمه بعض الرجال لمساومة المرأة للتنازل عن حقوقها عند الطلاق. الوضع الحالي تَغيَّر قليلًا عما سبق، حيث كان يجري في التسعينيات إحضار الزوجة بالقوة إلى بيت الزوجية. ولكن أخيرًا، أصبح البلاغ صوريًّا وغالبًا ما لا يُنفَّذ على أرض الواقع، ولكنه يظل سلاح ضغط على المرأة لتَتراجع عن مطالبتها بحقوقها. ويَجدر أن نَذكُر في هذا السياق إعلان شيخ الأزهر في برنامج الإمام الطيب، أن هذا القانون لا علاقة له بالدين الإسلامي على الرغم من أن المشرِّع كان يستند أصلًا إلى مصطلحات دينية، مثل: "طاعة الزوج" و"نشوز الزوجة" في هذا القانون.

على عكس مسلسل "لعبة نيوتن"، والذي طرح قضية الاغتصاب الزوجي بحسب ما ذكرنا، وأثار نقاشًا واسعًا حول حكم امتناع الزوجة من العلاقة الزوجية بدون عذر شرعي – طرح المسلسل القضية من خلال قصة زواج بين "هَنا" و"مؤنس" الرجل المتدين، الذي حاول مرارًا وتكرارًا مع زوجته للحصول على "حقه الشرعي"، إلا أنها كانت تتهرب منه من بداية الزواج لخوفها من أن يكون الزواج غير شرعي، وبعدها أدركت أنها غير مستعدة لهذه الخطوة سريعًا، لأنها لم تتعافَ من التجربة الأولى؛ ما أثار غضبه ودفعه إلى الاعتداء عليها. المُخرج "تامر محسن" طرح القضية بشكل جدلي وذكي. فقد كان رائجًا في الدراما المصرية -لجذب التعاطف مع النساء- أن تعيش الضحية حسب ما يتوافق مع العادات والتقاليد، وأن تكون منكسرة معنَّفة لا حول لها ولا قوة. لكن في لعبة نيوتن، "هَنا" كانت شخصية مضطربة لها أخطاء استنكرها الجمهور، فوضعَنا المُخرج أمام تساؤل مهم: "هل التعاطف من حق كل الضحايا، أم مع من نوافق على أفعالها فقط؟".

دار أيضًا حول مسلسل "لعبة نيوتن" نقاش نسوي/ديني واسع، حول أحقية الزوج بإجبار زوجته على العلاقة الجنسية، وهو ما يُعرف حقوقيًّا بالاغتصاب الزوجي. وعلى الرغم من الموقف الإيجابي لدار الإفتاء التي أشارت في بوست قصير ومحدود إلى: "أنه على الزوج والزوجة كِلَيهما احترام نفسية الآخر"، فقد رفض المصطلحَ نطاقٌ واسع من الجمهور وعدد من الدعاة على السوشيال ميديا، حيث أشار بعضهم إلى أن المصطلح نفسه غير موجود في الدين الإسلامي، وأنه من حق الزوج إجبار زوجته شرعًا على العلاقة الزوجية، إنْ تَحقَّق مِن أنَّ رفضها هو من باب التعنت، لا لعذر شرعي، وأن حقَّ الزوج يكفله الشرع والقانون، وواجبُ النفاذ، وأن للزوجة حق النفقة فقط. 

وأخيرًا، الطلاق الشفهي هو القضية الرئيسية للمسلسل، حيث تناولها بشكل مثير للاهتمام. فقدَّم الواقع في أحقية الزوج باستخدام الطلاق وسيلةَ تهديدٍ وضغط على الزوجة، واستخدامه بشكل غير مسؤول، فمثلًا: طلَّق حازم زوجته مرتين عبْر رسالة بعثها على تطبيق الواتساب، وفي كل مرة يقوم بردها إلى "عصمته" بدون إعلامها. هذه القضية تعانيها الكثير من السيدات في مصر، حيث تعيش بعضهن سنين طويلة مطلقات شفهيًّا، ويسْعَين لتوثيق الطلاق قانونيًّا أو قضائيًّا. فلا شروط لوقوع الطلاق إلا رغبة الزوج وتصريحه فقط، ولا حاجة إلى شهود أو توثيق لحظي؛ ما يضع الزوجة -في حال رغبتها في إنهاء الزواج بشكل نهائي- أمام تَحدِّي إثبات وقوع الطلاق الشفهي فعلًا.

كل هذا يطرح تساؤلات عدة، منها: لماذا كل هذه الإشكاليات حول حقوق بديهية للمرأة، مثل: حقِّها في أن تُطلق بعلمها، أو في أن تختار ذلك، أو في ألَّا يتحكّم في مصيرها أهواء الرجال وفتاويهم، أو في حقِّها وحدها في جسدها حيث لا يمتلكه أحد بِاسم الشرع، أو حقِّها في ألَّا تُجبر على العيش مع زوج كرهت الحياة معه؟! فهل كل تلك الممارسات جائزة في حقِّها، لأنها تخاف فقط أن تفتح الباب وتصارع كل هذه القوانين والعادات المجحفة، التي تقتص منها لرغبتها فقط في العيش بحرية، وفي العيش بوصفها إنسانًا؟!

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive