الرجوع

سيداو: شرٌّ مطلق أم تعزيز لحقوق المرأة؟

الثلاثاء

م ٢٠٢٢/٠٢/٢٢ |

هـ ١٤٤٣/٠٧/٢١

شَغلَت فضاءاتِ الأردنيين خلال الفترة الماضية حالةٌ من الجدل، حول تعديل الفصل الثاني من الدستور الأردني، بإضافة كلمة "الأردنيات". اشتباك الآراء ذلك، والذي انتهى أخيرًا بتصويت مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمصلحة التعديل، أعاد إلى الواجهة اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، والتي انضم إليها الأردن عام 1992. 

"سيداو"، هي اتفاقية دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدتها في عام 1979. وممّا تنصُّ عليه الاتفاقية: المساواةُ بين الرجل والمرأة، وحقوق الإنسان، والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية. ويجب على جميع الدول الأطراف الموقعة على الاتفاقية، اتخاذ جميع التدابير المناسبة لِلتعديل أو لِلإلغاء للقوانين والممارسات القائمة على التمييز ضد المرأة. وبلغ عدد الدول الموقعة على "سيداو" 190 دولة، منها 20 دولة عربية. وقد أوردت بعض الدول -ومِن ضِمنها الأردن- تحفظات على بعض مواد الاتفاقية، انطلاقًا من فكرة تَعارُضها مع أحكام الشريعة الإسلامية والهوية الوطنية. 

انقسمت الأصوات بين مؤيد للاتفاقية ومعارض لها. وفي تبرير رفض بعض بنود الاتفاقية، التي كانت ولا تزال غير مفهومة بشكل واضح من قبل كثير من الأردنيين والأردنيات، نهضت السردية المعارضة للاتفاقية إلى فرضية أن قبول هذه البنود يُعتبر مَدخلًا إلى خطوات تشريعية تَمسُّ أحكام الشريعة، مثل الميراث والزواج، وربما إلى خطوات أخرى تتعارض مع هوية المجتمع وثقافته. واستشهد العديد من المعارضين بالولايات المتحدة الأميركية، التي ساهمت في صياغة الاتفاقية ولم تُصدِّقْها، في حين ذهب المؤيدون للاتفاقية إلى أنها قد تكون المدخل الرئيسي إلى تجسيد المساواة بين الرجل والمرأة، واستشهدوا بتقارير اقتصادية تشير إلى أن ثروة الولايات المتحدة الأميركية التي تُشكل ثلث ثروة العالم، تساهم فيها المرأة بنسبة 40%. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على دور المرأة الفاعل في اقتصاد بلادها.

وباعتباري مواطنة من العالم الثالث، من عالَم عربي له تكوينه وثقافته، وأيضًا لِكوني أردنية، لا بد أن أتحدث -رغم الشعور بالأسى- من منطلق عقلاني، لكنه مثقل بذاكرة تَشعر بأنها مستهدَفة وغير مفهومة أيضًا، لأنه -ومن الناحية الشكلية- قامت الدولة الأردنية بإقرار إضافة كلمة الأردنيات، لكنها في الحقيقة لم تُضَف إلى متن الدستور، بل أضيفت إلى عنوان الفصل الثاني منه. وبرأي خبراء ومختصين من أساتذة القانون الدستوري، أنها شكلية لا أكثر، ووجودها مثل عدمه لا يؤثر في مواد الدستور الأخرى!

إن الجدل في رفض بعض بنود الاتفاقية، لا يستقيم مع أي منطق. فلِم لا يمكن قبول الاتفاقية كما قبلنا إبطال الرق على سبيل المثال، على الرغم من وجود نصوص دينية نظمته سابقًا عندما كان ممارَسةً قائمة؟ ولِم لا يمكن قبول حضور المساواة بوصفها ممارَسة يومية وقواعد وتقاليد. فالشريعة الإسلامية غنية بالنصوص الكافلة للمساواة، كما هو حال القانون الأردني الذي لا يفرض قيودًا على المرأة بشأن سفرها وتنقُّلها. ولذلك، كان الرأي الرسمي أنه لا يوجد داعٍ للإبقاء على التحفظ المتعلق بهذا الأمر. ومِن ثَمَّ، يمكن قبول بعض بنود الاتفاقية ورفض بعضها بما لا يمسُّ سيادة الدولة، كما يمكن التحدث إلى الأمين العام للأمم المتحدة لتعديلها. لكنْ لتحقيق العدالة للجميع، فإنه من المهم بدايةً التخلص من شبح الخوف من التغيير. والأمر الآخر، هو ضرورة فتح قناة حوار مع المعارضين للاتفاقية، للتصدي لبعض المفاهيم المغلوطة عنها وتوضيح حقيقة معانيها. ولن يستقيم الأمر دون وجود طرفي المعادلة (المرأة والرجل) في نفس المكان، وهذا يقتضي بالضرورة الاعتراف بالآخر وحقِّه في الاختلاف والمعارضة.

خلاصة القول: إنهاء التمييز ضد المرأة يحتاج إلى شجاعة سياسية غير متوافرة حتى الآن، ويحتاج إلى التنازل عن مصالح شخصية كرستها مؤسسة، أُسمِّيها "مؤسسة السلطة الذكورية"، وهي مؤسسة تتأصَّل من مبدأ "هذا ما تَعوَّدناه وورثناه عن آبائنا وأجدادنا"! وقد لا تكون "سيداو" مفتاحًا سحريًّا، ولكنها قد تكون الشرط الذي سيجعلنا نفتح الأبواب المغلقة أمام التغيير، ومواصلة الاجتهاد بحثًا عن صيغ أفضل، لتمكين المرأة من مواجهة المشاكل الحقيقية مواجهةً مباشرة بالمشاركة والاختيار الحر. وهذا التغيير المأمول لن يكتسب مصداقيته إلا من خلال إعطائه مضامين حقيقية تتجلى في تحديث المجتمع، وتحويله إلى مجتمع مدني، وتحصينه ضد الجهل، ومناهضة القمع بكل أشكاله، والحدِّ من التبعية. وفي ضوء ما تَقدَّم وبالارتباط به، يمكن أن نكون جزءًا من العصر وفاعلين/ات فيه، وإلا فإننا سنبقى ندور حول المشاكل التي تواجهها النساء ونحتال عليها. 

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive