الرجوع

فطرة المرأة في أساطير الذكورية

الأربعاء

م ٢٠٢١/٠٢/١٧ |

هـ ١٤٤٢/٠٧/٠٦

تساءلتُ قبل أيام عن دعاء قرأتُه كثيرًا على صفحات "الفيسبوك"، يقال عادةً عند تقديم واجب العزاء، وفَحْواه: "اللهمَّ أَبْدِلْهُ دارًا خيْرًا من داره، وأهْلًا خيرًا من أهله، وزَوجًا خيرًا من زَوجِه". أثار فُضولي عدم قراءة هذا الدعاء في حال كانت المُتوفَّاة امرأة، وتعرضتُ للهجوم لمجرد التساؤل.

خطر ببالي في حينِه مجموعة من البرامج المصوَّرة، التي أنتجَها موقع "تعددية" تحت عنوان "فينا نحكي دين؟". ويبدو من الهجوم الذي تعرضتُ له، أنه من الصعب للغاية طرْحُ أي تساؤلٍ دينيّ أمام العامة، في الوقت الذي يَتقبل فيه رجل الدين المعتدل الأسئلة بصدر رحب، ويَعتبر أن دوره وواجبه يقتضيان الإجابة عن أي تساؤل في هذا الشأن. ولهذا، فقد حصلتُ على جواب من رجل دين أزهري، أوضَح لي أن الدعاء يقال للمرأة والرجل على حد سواء، حتى مع اختلاف رأي العلماء في أمره. وقد تفضَّل مشكورًا بتأكيد قراءته للدعاء، في حال الصلاة على المرأة المتوفَّاة.

أما الطامة الكبرى، فقد أتت من عامة الرجال، وأغلبُهم يتحدثون بما يسمى "فِطرة المرأة". فالمرأة -حسب ما يقول الرجل المهاجِم- فُطرت على حُبِّ رجل واحد، تتزوجه في الدنيا ويبقى معها في الآخرة. ولذلك، فهو بصفته رجُلًا لا يَعتمد هذا الدعاء عند التعزية بوفاة امرأة. هذا كلام لا أساس علميَّ أو دينيّ له، بل له أساس آخَر، وهو ما يتمناه الرجل الشرقي في هذا المكان من العالم. وقد حوّل أمنياته إلى مُسَلَّمات، تارةً يَنسبها إلى العلم، بالتنقيب عن كل خبر غير موثَّق يدعم موقفه، وتارة إلى الدِّين بالاستعانة بآراء المتشددين. فتتكشَّف كل يوم وقائع تُناقض أفكاره.

أما المضحك المبكي، فهو مَوقع صاحبة الشأن من كل هذا. فهم يتحدثون بفطرة المرأة، في حين هي تجلس خلف شاشتها تقرأ مصدومة، وهي المَعنيّة. لا أحد يسألها عن أفكارها أو فِطرتها أو أحلامها؛ إذ الرجل يفكر عنها ويتوقع، وإذا ما كتبَت ما يخالف كلامه أصبحت غريبة جريئة، تخالف الفطرة التي اخترعها وتَوهَّم وجودها. لقد أصبحَت عبارة "طبيعة المرأة" أو "فِطرة المرأة"، سلاحًا يُستخدم لإسكات أي صوت يدعو إلى تحقيق العدالة والمساواة لها. فهل هناك طبيعة واحدة يمكن أن توصف المرأة بها؟ وما فِطرة المرأة التي يتحدثون بها؟

في الواقع، نحن في صدد وضعيةٍ للمرأة، ومكانةٍ تُعطَى لها، وحياةٍ تُفرض عليها. والأمر لا علاقة له بطبيعة أو بفطرة. فهناك بيئة تُحدد إمكاناتها وتَحرمها التجاربَ الحياتية، وهناك بيئة تصقل مواهبها ولا تطمسها. هناك دول في العالم تتعلم فيها المرأة، وتَنهل من نفس مَعِين التجارب الحياتية التي ينهل منها الرجل. وهي تَجارب وحياةٌ قد تصل بالمرأة إلى رئاسة دولة. ولكن، هناك دول وبيئات أخرى قد تتحول المرأة فيها بسبب فقدان هذه الفرص، إلى كائن يعتمد تمامًا على الآخر في حياته، وثِقتُه بنفسه وقدراته مهتزة. فيقتنع بأنه كائن ضعيف غير قادر، ويستسلم لقَدَره، بل إنه يروِّج لضعفه تحت مسمَّى "طبيعة" أو "فطرة"، حتى يَرفع عن نفسه الحرج، ويريح عقله من التفكير في التمرد.

في كتابها "الجنس الآخَر"، تُقدِّم "سيمون دي بوفوار" لمحة تاريخية إلى وضعية المرأة ومكانتها، لنَعرف كل الظروف التي تدرَّجَت لتكوين هذا الكائن الموجود أمامنا اليوم. وتقول سيمون في كتابها: "نحن النساء نَعرف خيرًا من الرجل عالَمَ المرأة، لأننا مرتبطات الجذور به، ونحن أقدرُ على إدراك ما معنى أن يكون الكائن الإنساني "امرأة". هذه الجملة مهمة جدًّا في عالَم يقرر فيه الرجل للمرأة ما يعتقد أنه يناسبها، ويُشرِّع لها ما يظن أن فيه مصلحتها.

نحن في زمن توضَّحَت فيه الحقائق، التي تَنسف نظريات التفوق العقلي البيولوجي نسفًا كاملًا، وبانت فيه أسباب الفوقية الذكورية، والتي تعود إلى زمن بداية المجتمع الأبوي، الذي يعتمد على المِلكية الفردية. نحن في زمن حصدَت فيه نساءٌ جوائز نوبل في الكيمياء وغيرها، ووصلْنَ إلى أعلى قمم الإدارة، في بلدان أثبتت جدارتها اقتصاديًّا واجتماعيًّا وعلميًّا. نحن في زمن لم يعُدْ مقبولًا فيه أن يعبِّر الرجل عن أحلام المرأة وأمنيّاتها، أو يتحدث بفطرتها، في حين هي قادرة على التعبير، وتمتلك كل أدواته.

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

الكلمات الدليلية

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive