الرجوع

تصاعد العنف الزوجي في تونس وقصور القانون

الخميس

م ٢٠٢٣/٠٥/١٨ |

هـ ١٤٤٤/١٠/٢٨

يَعتبر الدين الإسلامي رابطة الزواج مؤسسة مقدسة، فإنْ كانت الأسرة هي دعامة الأمة، فإن الزواج يُعتبر عماد الأسرة. والعلاقة الزوجية أساس بناء الأسرة؛ إذ هي علاقة إنسانية مبنية على السكن والسكينة والمودة والرحمة، ويتجلّى ذلك من خلال قول المولى سبحانه وتعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إِليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك لآياتٍ لِقَومٍ يتفكرونَ}، وهي أيضا بمنزلة الميثاق الغليظ. 

ولكن، ماذا لو انحلّ هذا الميثاق؟ وماذا لو تحوّل الزواج إلى مصدر تهديد؟ هذان السؤالان وغيرهما، طرْحُها لم يكن اعتباطيًّا، لأن ظاهرة العنف الزوجي خطرٌ يهدد المجتمعات الغربية والعربية على حد سواء. ولا شك في أن تونس غير مستثناة، فوفقًا للإحصائيات بات العنف الزوجي يمثل أعلى نسبة من أشكال العنف المسجلة، من حالات العنف المسلط على النساء خلال العام 2022، حيث سُجلت 15 جريمة قتل للزوجات من قبل أزواجهن، أي بمعدل يزيد عن حالة قتل شهريًّا تقريبًا. وخلال الثلث الأول من هذا العام 2023 سُجلت 9 جرائم قتل، وقد تلقَّى الخط الأخضر "1899" المؤمَّن من طرف "وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن" 921 تبليغًا عن حالات عنف، منها 654 حالة كان الزوج فيها هو القائم بالعنف، أي بمعدل 71%، مع العلم أنه في الثلث الأول من سنة 2022 بلغت إشعارات العنف الزوجي 168 إشعارًا، أي أن الظاهرة تضاعفت أكثر من ثلاث مرات! 

يكاد لا يخلو بيت من مشاكل وصعوبات أسرية، ولكن ليس كل الأزواج أو أفراد الأسرة يلجؤون إلى العنف لحل الخلافات. فالحفاظ على سلامة العلاقات واستمرارها مسؤولية مشتركة، والعلاقة المتوازنة هي التي يستطيع فيها الطرفان حل الخلافات الزوجية بهدوء وتفاهم، دون الوصول إلى قمة المشكلة، من خلال الحوار والمشاركة في اتخاذ القرار وقبول الاختلاف، وهو ما يُعرف بمعالجة الخلافات الزوجية باتباع الأساليب الوقائية في إطار المؤسسة الزوجية في مستوًى أوّل، من خلال تجنب مسبباته.

أما في مستوًى ثانٍ، عندما تتفاقم المشاكل وتصل إلى مراحل متطورة، أي إلى العنف، فيجب على الجهات المعنية تقديم التعهد النفسي بضحايا العنف، واتخاذ الإجراءات القانونية المتبعة لتتبُّع مرتكبي العنف، حيث أكدت الدراسة التي أصدرها مكتب تونس لصندوق الأمم المتحدة للسكان، بالشراكة مع كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية في تونس سنة 2022، أن قتل النساء هو نتيجة لسلسلة تصاعدية من العنف، وبسبب علاقات قوًى اجتماعية لامتساوية، وسيطرة ذكورية، ونزعة انتقامية، ولا يمكن تنسيبها دائمًا إلى أسباب مرَضية أو حالات إدمان، حيث بينت أن 3% فقط من مرتكبي جرائم قتل النساء يستهلكون مواد كحولية أو مخدرة، وأن 21.82% من جرائم قتل النساء المرتكبة من قِبل الشريك الحميمي، تجري إما بعد طلب إنهاء العلاقة أو طلب الطلاق أو رفع دعوى قضائية.

ما أفرزته الدراسة أثبت قصورَ الترسانة القانونية المعززة بالقانون 58 لسنة 2017 (والذي اعتُبر "مميزًا")، وفشَلَ المقاربة الأمنية والقضائية أمام تدفق ظاهرة العنف الزوجي، وعجز هياكل الدولة ومؤسساتها عن حماية الضحايا، حيث كان في الإمكان تلافي قتل النساء في حال جرى التعهد بالضحايا في الوقت المناسب، وتقديم الدعم النفسي، والنفاذ إلى المعلومة والإرشاد القانوني حول الأحكام المنظِّمة لإجراءات التقاضي والخدمات المتاحة، وإعادة الإدماج الاجتماعي. هذا ما يستدعي وضع إستراتيجية وطنية تشاركية شاملة، تقتضي المعالجة القانونية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والإعلامية، وتتجند خلالها كل الأطراف المتداخلة، كلٌّ بحسب اختصاصه ومجال تدخُّله، ولكن بتنسيق وتعاون.

عندما لا يكون القانون مطرقة تدقُّ مسمارًا في نعش النساء، ورادعًا لكلّ معتدٍ مهما كانت درجة قرابته من الضحية، أو مستواه الاجتماعي أو الوظيفي، حينها فقط يمكن القول إن القانون نافذ المفعول وليس مكبَّلًا. وعندما يقاطع المجتمع التطبيع مع العنف، وينتصر للمرأة ويبتعد عن وصمها، حينها فقط نعالج العوامل المجتمعية العميقة المرتبطة بالعادات والتقاليد، خاصة التمييز على أساس النوع الاجتماعي. وعندما تتكاثف جهود مكونات المجتمع المدني وهياكل الدولة ومؤسساتها، حينها نصبح على نهج سليم يناهض العنف بجميع أشكاله، وينجح في القضاء عليه، وحينها فقط تتوقف الحركة النسوية عن الهتاف بـ"لا لقتل النساء"، ولا تُرفع لافتات كُتب عليها "أنا الضحية القادمة".

مقالات الرأي المنشورة في تعددية تعبر عن رأي الكاتب/ة، ولا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة.

إعادة نشر أي مقال مشروطة بذكر مصدره "تعددية"، وإيراد رابط المقال.

الكلمات الدليلية

جميع الحقوق محفوظة © 2024
تصميم وتطوير Born Interactive